مِنْ نَفْسِ الرَّمْلِ بِدَلِيلِ مَا قَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ مَنْ قَوْلِ الْمَنْهَجِ يَتَيَمَّمُ بِتُرَابٍ وَلَوْ بِرَمْلٍ، أَوْ الْمُرَادُ أَعَمُّ.
وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمَنْهَجُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغُبَارَ الْمَخْلُوقَ مِنْ نَفْسِ الرَّمْلِ يُسَمَّى تُرَابًا وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَحَلِّيّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَكَانَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ ضَائِعًا
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ صَرَّحَ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّ غُبَارَ الرَّمْلِ لَا يُسَمَّى تُرَابًا.
وَعِبَارَةُ الْحَاوِي كَالرَّوْضِ وَالْإِرْشَادِ وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ يُسَمِّيهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ شَارِحِي الْإِرْشَادِ: مَثَّلَ بِغُبَارِ الرَّمْلِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ أَوْ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا لِمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ التُّرَابِ بِالتُّرَابِ، وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ حَقِيقَةً، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسَمِّيهِ مَجَازًا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا وَأَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا، نَعَمْ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: الرَّمْلُ ضَرْبَانِ: مَا لَهُ غُبَارٌ، فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ. وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ فَلَا، لِعَدَمِ الْغُبَارِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ اسْمِ التُّرَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى تُرَابًا حَقِيقَةً إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ مَا ذَكَرَ، وَبِتَأَمُّلِ مَا تَقَرَّرَ اتَّضَحَ كَلَامُ الْمَنْهَجِ مَعَ كَلَامِ الشَّارِحِ الْمُحَقِّقِ أَعْنِي الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ، وَأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ تُرَابٌ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا.
وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: لَوْ سُحِقَ رَمْلٌ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَجَرِ الْمَسْحُوقِ يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَصِحُّ بِالرَّمْلِ النَّاعِمِ لِأَنَّهُ حَصًى مُتَصَاغِرَةٌ جِدًّا كَالْحِجَارَةِ الْمَدْقُوقَةِ فَإِنْ قُلْت: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَدْقُوقِ وَالْغُبَارِ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّمْلِ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ حَصًى مُتَصَاغِرَةً وَلَا قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَنْفَصِلُ عَنْ تِلْكَ الْحَصَى بِوَاسِطَةِ الْتِصَاقِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَفِيهِ مَعْنَى غُبَارِ التُّرَابِ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ الْمَدْقُوقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالدَّقِّ، وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ عَنْ كَوْنِهِ حَصًى مُتَصَاغِرَةً جِدًّا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى غُبَارِ التُّرَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ، هَلْ يَكُونُ كَالْفَقْدِ الْحِسِّيِّ فِيمَا إذَا حَمَلَ الْمُسَافِرُونَ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَيَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِمْ تَقَدُّمُ طَلَبٍ لِلْمَاءِ، أَوْ يُقَالُ شَرْطُ الْفَقْدِ الْحِسِّيِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا ثَمَّ مَاءٌ، فَمَتَى حَصَلَ لَهُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ لِلشُّرْبِ وَنَحْوِهِ اسْتَوَى الْفِقْدَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ مَعَهُ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يَزِيدُ عَلَى الْحَاجَةِ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِيهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ وَاحْتَاجَهُ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَرُفْقَتِهِ وَلَوْ مَآلًا تَيَمَّمَ وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْمَآلِ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ أَوْ الْمُتَوَقَّعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: (وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ الْمُخَالِطِ خَاصَّةً بَلْ لَوْ عَلِمَ فِي الْقَافِلَةِ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِعَطَشِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ وَصَرْفُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرَدُّدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ احْتِيَاجُ أَحَدٍ مِنْ الْقَافِلَةِ إلَيْهِ مَآلًا لَزِمَهُ التَّزَوُّدُ لَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ الطَّلَبُ إلَّا إذَا تَوَهَّمَ مَاءً فِي حَدِّ الْقُرْبِ أَوْ الْغَوْثِ بِشَرْطِهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ أَوْ دَوَابُّهُمْ لِشُرْبِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ حَالًا أَوْ مَآلًا كَفَقْدِهِ الْحِسِّيِّ، وَأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ كَانَ كَفَقْدِهِ فَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَسٌ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً هَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ الَّذِي لَا يَظُنُّ رِضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَتْرِيبُ الْكِتَابِ مِنْ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَسٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ، وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُيَمَّمَ الْمَيِّتُ الَّذِي عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْمُتَيَمِّمِ إذَا فَرَّقَ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ عَلَى أَعْضَائِهِ هَلْ تُجْزِئُهُ تِلْكَ النِّيَّةُ مُفَرَّقَةً قِيَاسًا عَلَى تَفْرِيقِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَتَأَتَّى تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ: التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْدَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، أَيْ وَالطَّهَارَةِ عَنْهُ لِأَنَّ التَّجَزِّي إنَّمَا