للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَظْهَرُ فِي هَاتَيْنِ بِخِلَافِ نَحْوِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَجَزٍّ فَهَذَا صَرِيحٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيقٌ؛ لِامْتِنَاعِ نِيَّةِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ حَدَثٍ حَتَّى تُفَرَّقَ فِيهِ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ التَّفْرِيقَ إذْ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ التَّيَمُّمِ، وَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ عَقِبِ فَرَاغِ كُلِّ عُضْوٍ فَجَازَ تَفْرِيقُ نِيَّتِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً، وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ أَمْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يُيَمَّمُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَتَيَمَّمُ فِي الْأُولَى وُجُوبًا، وَقَوْلُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمْ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَرَضُوهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ يُرِيدُ غَسْلَهَا بِهِ وَلَا يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْهُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ لِلتَّيَمُّمِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْحَيِّ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَكْفِي مَنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَحَدَثٌ أَصْغَرُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَكْفِيه غُسْلٌ أَمْ لَا لِضَعْفِ اسْتِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَكْفِيه لَهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ أَنَّ خِلَافَ انْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ هَلْ يَجْرِي هُنَا بِجَامِعِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ حَصَّلَهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مُخْتَلِفَا الِاسْمِ وَالْحَقِيقَةِ؟ فَجَرَى الْخِلَافُ حِينَئِذٍ فِي الِانْدِرَاجِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ يَمْنَعُ الِانْدِرَاجَ، وَمَنْ يَرَى أَنَّ الْغُسْلَ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْوُضُوءِ وَزِيَادَةً يُجَوِّزُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَبْنَى الطِّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَلِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ.

وَأَمَّا التَّيَمُّمُ الَّذِي عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَالتَّيَمُّمُ الَّذِي عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَحَقِيقَتُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا وَصُورَتُهُمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَلَا يُتَخَيَّلُ حِينَئِذٍ مَعَ الِانْدِرَاجِ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَمْرِ بِتَيَمُّمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ حَتَّى يَسْتَبِيحَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ مَا يُشْبِهُ الْعَبَثَ لِأَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ أَوَّلًا لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ اسْتَبَاحَهَا بِهِ، فَإِيجَابُ الثَّانِي عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِانْدِرَاجِ هُنَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ تَخَيُّلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَمْ جُنُبًا فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ عِنْدَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْغَرُ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْإِرْشَادِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِخُطْبَةٍ: فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إنْ تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنَّهُمْ رَاعَوْا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ اهـ كَلَامُهُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ مَا لَفْظُهُ: فَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ نَفْلٌ وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ اهـ. فَهَلْ يُقَالُ تُفَارِقُ الْخُطْبَةُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا فِي أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ بِانْحِصَارِهَا وَبِامْتِيَازِهَا بِوَقْتٍ وَجَمْعٍ مَخْصُوصَيْنِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؟

(إلَّا الْجُمُعَةَ وَخُطْبَتَاهَا فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إذَا تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ. وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ وَجَّهَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ وَبَحَثَ غَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ فَرَضَ الْكِفَايَةِ كَالنَّفْلِ إنَّهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِمَ يَسْتَبِحْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ لَهَا فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ عَكْسَهُ اسْتَبَاحَهَا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُمَا رَاعَيَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُمَا نَائِبَتَانِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إذْ الضَّعِيفُ قَدْ يُرَاعَى كَمَا لَا يَخْفَى وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْخُطْبَةِ بِانْحِصَارِهَا وَامْتِيَازِهَا بِوَقْتٍ وَجَمْعٍ مَخْصُوصَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجُ إلْحَاقَهَا بِفَرْضِ الْعَيْنِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِغَيْرِ الْخَطِيبِ التَّيَمُّمُ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، لَكِنْ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ طُهْرِهِ، وَالتَّيَمُّمُ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ دُخُولِهِ وَلِلسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ قَبْلَ فِعْلِ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ، فَهَلْ الْإِمَامُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَحِينَئِذٍ فَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>