أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ مَا شَمِلَهُ حُكْمُهُ بِالْمُوجِبِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِمُوجِبِهِ وَغَيْرِ مَقَاصِدِهِ مِنْ جَمِيعِ الْآثَارِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته فِي مُخَلَّفَةٍ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَالَ الْعَيْنُ الْفُلَانِيَّةُ تَرِكَةُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِفُلَانٍ وَلَا لِوَارِثِهِ وَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْيَدِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهُوَ إلْزَامُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ اهـ.
وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مُخَلَّفَةٌ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ لِلْوَارِثِ عَلَى تَرِكَةِ الْمُقِرِّ بِشَيْءٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَا لِلْوَالِدَةِ وَلَا لِوَارِثِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ فِي مَكْتُوبٍ وَصِيَّتَهُ لِوَلَدَيْهِ مَحْمُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ مَثَلًا بِالسَّوِيَّةِ بِمِلْكِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ الْكَبِيرِ الْكَائِنِ بِالْحِجَازِ بِضَيْعَةِ كَذَا وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَأَخْشَابٍ وَفَوَاكِهَ وَسَائِرِ حُقُوقِهِ مِلْكًا شَرْعِيًّا وَأَقَرَّ أَيْضًا لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ مَثَلًا بِمِلْكِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ الْكَائِنِ بِالْحِجَازِ بِالضَّيْعَةِ الَّتِي بِهَا الْبُسْتَانُ الْكَبِيرُ الْمَذْكُورُ أَعْلَاهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ مِنْ سَقِيَّةٍ وَبِنَاءٍ هَذَا صُورَةُ لَفْظِهِ فِي مَكْتُوبٍ وَقَفَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ سَقِيَّةِ كُلِّ بُسْتَانٍ مِنْهُمَا مِنْ قَرَارِ الضَّيْعَةِ الْمُسَمَّاةِ أَعْلَاهُ الْكَائِنُ بِهَا الْبُسْتَانَانِ الْمَذْكُورَانِ فَإِذَا كَانَ بِيَدِ الْمُقِرِّ الْمَذْكُورِ سَقِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبُسْتَانَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْبُسْتَانَيْنِ سَقِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ مُعْتَادَةٌ حَالَ الْإِقْرَارِ نَزَلَ الْإِقْرَارُ عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مَالِكُ كُلِّ بُسْتَانٍ إلَّا قَدْرَ تِلْكَ السَّقِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةً نَزَلَ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ كُلِّ بُسْتَانٍ إلَّا قَدْرَ مَا يَكْفِي بُسْتَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ عَبَّرَ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ وَسَائِرُ أَوْ جَمِيعُ حُقُوقِهِ وَالْحَقُّ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ تَفَقُّهًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ بَغِيٍّ رُمِيَتْ بِابْنِهَا بِزِنًا فَنَفَاهُ فَنَفَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَعَهَا نِكَاحٌ وَلَا وَطْءٌ مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ هَذَا وَلَدِي جَاهِلًا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الْإِقْرَارِ لِجَهْلِهِ وَهَلْ لَوْ قَالَ لِمَجْهُولِ الْأَبِ هَذَا وَلَدِي عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ يَلْحَقُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَفْيُهُ الْأَوَّلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهِ فَيَلْحَقُهُ بِقَوْلِهِ هَذَا وَلَدِي حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ وَإِنْ جَهِلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ نَفْيَهُ الْأَوَّلَ يَمْنَعُ مُؤَاخَذَتَهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَرُجُوعُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوِفَاقًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْعِمْرَانِيِّ وَصَاحِبِ الِانْتِصَارِ وَالْفَارِقِيِّ.
قَالَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ هَاتَيْنِ الْمَقَالَتَيْنِ قَبْلُ وَلَمْ يُفْصِحَا بِتَرْجِيحٍ وَعَدَمُ تَصْرِيحِهِمَا بِالتَّرْجِيحِ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُمَا تَرَكَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ كَلَامِهِمَا إذْ قِيَاسُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ وَرَجَعَ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعْلُومٌ ضَعْفَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا مِنْ أَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ وَمَنْ نَقَلَهُمَا بَعْدَهُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ مَا مَرَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَأَقَرَّاهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا فَكَذَّبَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَنْدَفِعْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُقَرُّ لَهُ تَحْلِيفَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ. اهـ. فَقَدْ أَقَرَّ الشَّيْخَانِ ابْنَ الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِقْرَارَ وَقَوْلَهُمَا عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي غَيْرَ مَا فِي شَامِلِهِ إذْ الَّذِي فِيهِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا فِي الذَّخَائِرِ وَغَيْرِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الرُّجُوعِ فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُسْتَلْحَقُ لَمْ يُقْبَلْ جَزْمًا وَإِنْ ادَّعَى جَهْلًا وَنَحْوَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي وَفَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ لَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ وَلَدَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي اللَّقِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الْمُسْتَلْحَقِ بَيْنَ الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْمُلْتَقِطِ مِنْ أَيْنَ هُوَ لَك فَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ الِالْتِقَاطَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute