السُّؤَالِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لِشَخْصٍ فَهَلْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ كَإِقْرَارِ الْمُفْلِسِ بِالْأَعْيَانِ بَلْ أَوْلَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ.
(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا اُسْتُلْحِقَ شَخْصٌ وَصَدَّقَ الْمُسْتَلْحَقُ بِأَنَّهُ أَبُوهُ ثَمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ انْتَسَبَ لِشَرِيفٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِاسْتِلْحَاقِهِ أَوْ وِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ وَلَا بَيِّنَتُهُ نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ بِاسْتِلْحَاقِ الشَّرِيفِ لَهُ فِي صِغَرِهِ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِ الثَّانِي سُمِعَتْ وَكَذَا إنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ قَالَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ اُشْتُرِطَ تَعَرُّضُهَا لِشُرُوطِهِ.
(سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ بِإِقْرَارٍ صُورَتُهُ أَقَرَّ فُلَانٌ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِبَنَاتِهِ مَبْلَغًا جُمْلَتُهُ كَذَا وَأَنَّ ذَلِكَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ لَهُنَّ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ بَاعَ لَهُنَّ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ فُلَانَةَ بِوَادِي كَذَا وَقَبَضَ لَهُنَّ صُرَّا وَمَعَالِيمَ وَأُجْرَةَ بُيُوتٍ وَغِلَالًا وَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالُ أَنَّ وَالِدَةَ الْبَنَاتِ أَقَرَّتْ لِبَنَاتِهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا مِنْ الْعَقَارِ مِلْكٌ لَهُنَّ ثَمَّ تُوُفِّيَتْ الْأُمُّ بَعْدَ وَضْعِ يَدِ وَالِدِهِنَّ عَلَى الْعَقَارِ وَبَاعَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ وَفَاتِهَا وَتَضَمَّنَ هَذَا الْإِقْرَارَ وَغَيْرَهُ مَسْطُورٌ شَرْعِيٌّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ ثَبَتَ عِنْدِي ذَلِكَ وَحَكَمْت بِمُوجِبِهِ فَهَلْ يَتَضَمَّنُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَ مَقَاصِدِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى مَقَاصِدِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِشُمُولِهِ لِلْمَقَاصِدِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يَتَسَلَّطُ عَلَى قَوْلِهِ بَاعَ لَهُنَّ إلَخْ وَيَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ كَوْنِ الْأَمَاكِنِ مُخَلَّفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ حَتَّى يَكُونَ لِوَارِثٍ غَيْرِهِنَّ التَّمَسُّكُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ هَذَا الْمُخَلَّفِ.
وَإِذَا قُلْتُمْ بِشُمُولِهِ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ فَهَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُنَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَاعَ فَقَطْ أَوْ بِهِ وَبِقَوْلِهِ مُخَلَّفَةٌ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَانِعًا لِلْغَيْرِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ إلَّا مَا هُوَ مُخَلَّفٌ لَهُنَّ أَوْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى التَّعَلُّقِ بِقَوْلِهِ بَاعَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مُخَلَّفَةٌ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ شُمُولِ الْحُكْمِ لِلْمَقَاصِدِ فَهَلْ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي غَيْرِ الْمَقَاصِدِ وَمَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِمَا يَقْتَضِيه نَظَرُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجِبِ كَذَا أَوْ بِالْمُوجِبِ فِي كَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْحَاكِمِ فَقَدْ أَتَى بِصِيغَةٍ شَامِلَةٍ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى جَمِيعِ الْآثَارِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَنَاوُلِهِ الْآثَارَ الْمَقْصُودَةَ وَغَيْرَهَا فَيَتَسَلَّطُ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحَكَمْتُ بِمُوجِبِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ بَاعَ لَهُنَّ إلَخْ وَمَعَ شُمُولِهِ لِذَلِكَ وَكَوْنِهِ حُكْمًا بِمَا يَضْمَنُهُ فَلَيْسَ لِوَارِثٍ غَيْرِهِنَّ مُطَالَبَتُهُنَّ مِنْ هَذَا الْمُخْلِف بِمَا يَخُصُّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ صَرِيحًا بَلْ وَلَا دَالًّا دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مُخَلَّفِ تِلْكَ الْوَالِدَةِ جَمِيعِهِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُتَرَتِّبَ فِي ذِمَّتِهِ لِبَنَاتِهِ لَهُ أَسْبَابٌ مِنْ جُمْلَتِهَا بَيْعُ أَمَاكِنَ لَهُنَّ مُخَلَّفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ فَجَعْلُهُ هَذَا سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ لَهُنَّ إلَّا مَا خَصَّهُنَّ مِنْ مُخَلَّفِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مَا خَصَّ غَيْرَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَسِيَاقَهُ يَنْبُو عَنْ بَيْعِهِ مَا خَصَّ غَيْرَهُنَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَاللَّفْظُ الْمُحْتَمَلُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْإِقْرَارِ عِنْدَنَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَيْ مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَلِهَذَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا أَلْزَمَهُ إلَّا ظَاهِرَ مَا أَقَرَّ بِهِ بَيِّنًا وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَا قَالَ.
وَمِنْ هُنَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ ظُهُورُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ مُخَلَّفَةٌ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ مُخَلَّفَاتِهَا وَلَا عَلَى بَعْضِهِ الشَّامِلِ لِحِصَّةِ بَقِيَّةِ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بَلْ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُلْزِمَ بِهِ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ لِلْوَارِثِ حَتَّى يَطْلُبَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا تَقَرَّرَ أَنْ يُعَلَّقَ قَوْلُهُ لَهُنَّ بِمُخَلَّفَةٍ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بُعْدٍ وَبَيْنَ أَنْ يُعَلَّقَ بِبَاعَ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا أَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ مُخَالِفٍ لَلشَّافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute