للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَذْكُورُ أَنَّ الدُّورَ الْمُخَلَّفَةَ عَنْ وَالِدِهِ مِلْكٌ لِوَلَدِهِ فُلَانٍ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ عُلِمَ قَصْدُ الْمُقِرِّ أَوْ جُهِلَ لِمَوْتِهِ مِنْ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ بِهِ حَالَ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي لِفُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَوَجْهُهُ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ التَّنَاقُضِ فِيمَا هُوَ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ دَارِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ لِلسُّكْنَى أَوْ الْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِضَافَةِ الْمِلْكُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّنَاقُضِ.

وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ نَقَلَهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ فِيهَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ مَمْنُوعٌ بَلْ تَوَارَدَا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْته نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ هَذَا قَوْلُهُ نَفْسَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي تَرَكَهَا أَبِي لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَيُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَرَكَهَا أَبِي لَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ مِلْكٍ لَهُ صَرِيحًا وَلَا لُزُومًا بِخِلَافِ وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مِلْكِهِ لَهَا بِالْإِرْثِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَيْنُ الْفُلَانِيَّةُ تَرِكَةُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ وَلَا لِوَارِثِهِ بِالْيَدِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ: لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهُوَ إلْزَامُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ اهـ.

فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَرَكَهَا أَبِي لَا يَسْتَدْعِي مِلْكَهُ وَلَا مِلْكَ أَبِيهِ لَهَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا مَعَهُ إذْ لَا مَانِع فِيهِ بِخِلَافِ وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمِلْكِ الْمُنَافِي لِلْإِقْرَارِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُوَثِّقِ وَأَقَرَّ الْمُشْهَدُ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِلَفْظِ كَلَامِ الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنْ يَكُونَ عَبَّرَ عَمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ بِحَسَبِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ فَهْمُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْهُ الدُّورُ الَّتِي وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي لِوَلَدِي فُلَانٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْكُومٌ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الدُّورُ الْمُخَلَّفَةُ لِي عَنْ وَالِدِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الدُّورُ الَّتِي تَرَكَهَا أَوْ خَلَّفَهَا وَالِدِي لِفُلَانٍ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُ الْمُوَثِّقِ فَقَاعِدَةُ بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَقِينِ مَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا قَوِيًّا فِي خِلَافِهِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْمُوَثِّقِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَقَرَّ إلَخْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَمَعْنَيَيْنِ بَاطِلَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْمَعَانِي أَظْهَرَ مِنْهُ فِي الْآخَرِ فَلَا وَجْهَ لِتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا بِأَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُوَثِّقِ أَنَّهُ يَحْكِي لَفْظَ الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ الْعَمَلُ بِهِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ إنْ سَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّاهِرِ يُرَجَّحُ بِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ أَشْيَاءُ وَمَيْلُ النَّفْسِ الْآنَ إلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِبَارَةِ الْمُوَثِّقِ الْمَذْكُورَةِ لِاحْتِمَالِهَا وَعَدَمِ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَعَانِيهَا عَلَى بَعْضٍ بِمُرَجِّحٍ قَوِيٍّ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي عَدَمِ النَّظَرِ إلَى ظَوَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَحَرِّي الْيَقِينِ مَا أَمْكَنَ عُلِمَ صِحَّةُ مَا ذَكَرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَابَ فَادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ شَافِعِيٍّ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ شَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا بِيَدِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ كَذَلِكَ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ مَعَ الْجَهْلِ؟

(فَأَجَابَ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ وَقُبِلَتْ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ مَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ يَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَوْ أَعْيَانٍ هَلْ كَانَتْ بِيَدِهِ إذْ ذَاكَ يَصْدُقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَى الْمُقِرِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَمِثْلُهُمَا وَارِثَاهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا قَالَ شَخْصٌ ذُو أَوْلَادٍ مَعَهُ فِي بَلَدِهِ لِي وَلَدٌ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ فَإِذَا مَاتَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَوْلَادِهِ حِصَّةَ وَلَدٍ وَيَحْفَظَهَا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَخْذًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَمَتَانِ فَأَتَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِوَلَدٍ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ ابْنِي فَهَلْ يُوقَفُ مِيرَاثُ ابْنٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُوقَفُ فَكَذَا يُقَالُ فِي صُورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>