للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِيَتِيمٍ أَوْ جِهَةِ وَقْفٍ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ أَيْ: الْآنَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُقَرَّ بِهَا إلَى الْآنَ لَمْ تَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَإِذَا دَخَلَتْ فِي يَدِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ عُومِلَ بِذَلِكَ الْإِقْرَار وَسُلِّمَتْ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا تَكْفِي الْيَدُ بِدُونِ اسْتِقْلَالٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَقَرَّ مُفْلِسٌ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَخَذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَوِلَايَتِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ نَاظِرُ الْوَقْفِ بِهِ لِآخَرَ مَثَلًا ثُمَّ قَسَمَهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا يَغْرَمُ قَطْعًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ الْغُرْمُ بِالْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو. اهـ.

وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الصُّلْحِ لَوْ بَنَى بِأَرْضٍ مَسْجِدًا وَأَقَرَّ بِهَا لِمُدَّعِيهَا غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِوَقْفِهَا وَمُرَادُهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ بِهَا أَنَّهُ وَقَفَهَا مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُ مُخْتَصِرِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَنْوَارِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِآخَرَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَسُلِّمَتْ لِلْآخَرِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَسْرِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْمُؤَاخَذَةِ بِهِ إذَا صَدَرَ فِيمَا تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَاسْتِقْلَالِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مَا دَامَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُقِرِّ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاظِرًا وَفَارَقَ الْمُفْلِسُ فِيمَا مَرَّ بِصِحَّةِ عِبَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِلْغَاءِ عِبَارَةِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِمَالٍ فِي يَدِهِ لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ هَلْ هَذَا مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي حَقِيقَةً بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ إنَّمَا يَنْفِي مِلْكَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيه وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُثْبِتَهُ بِطَرِيقِهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَنْفِي الْمِلْكَ مَعَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُقِرِّ فَبِالْأَوْلَى إذَا أَقَرَّ وَهُوَ بِيَدِ الْغَيْرِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ مِلْكَهُ وَمَنَافِعَهُ فَإِنْ قُلْت مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْهُمْ هَلْ يُنَافِيه قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ كَانَ مُؤَدَّاهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا صَحِيحًا قُلْت لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُ هُنَا نَفَى صَرِيحًا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةَ مِلْكٍ أَوْ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ أَوْ أَمَانَةً فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي نَزْعُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا مَرَّ فَهُوَ لَمْ يَنْفِ إلَّا وِلَايَةُ الْمِلْكِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ وَبَقِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَمُكِّنَ مِنْ دَعْوَى مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ أَقَرَّ أَنَّ ثَمَرَةَ بُسْتَانِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا مَوْضُوعُ إقْرَارِي إبَاحَةٌ وَأُرِيدُ أَرْجِعُ فِي الْإِبَاحَةِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي لِزَيْدٍ صَرِيحٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ فَدَعْوَاهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ إبَاحَةُ ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ لَفْظِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِمِلْكِ الثَّمَرَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ تَعْقِيبَ الْإِقْرَارِ بِمَا يُبْطِلُهُ بَاطِلٌ وَهَذَا يُشْبِهُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ وَلَكِنْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ فَإِنْ قُلْت هَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ قُلْت لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا فَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَكِنْ إلَخْ مُنَاقِضًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا صَرِيحًا فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعُمِلَ بِهِ

(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ لِمَ لَا قَيَّدَ الْإِرْشَادَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ وَأَلْفٌ وَأَلْفٌ وَأَلْفٌ ثَلَاثَةٌ بِلَا فَصْلٍ وَاخْتِلَافٌ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ الثَّانِي كَمَا قَيَّدَهُ فِي الطَّلَاقِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبَارَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تُفْهِمُ مَا تُفْهِمُهُ الْأُخْرَى فَلَا تَحْتَاجُ الْأُولَى إلَى التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ.

وَإِيضَاحُهُ أَنَّ دَاعِيَ الِاخْتِصَارِ لَمَّا أَلْجَأَهُ إلَى إدْخَالِ حُكْمِ أَلْفٍ وَأَلْفٍ وَأَلْفٍ فِيمَا قَبْلَهَا أَدْخَلَهَا فِيهَا لَكِنَّهَا تَمَيَّزَتْ عَمَّا قَبْلَهَا بِاحْتِيَاجِهَا إلَى شُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: قَصْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>