كَوْنَهُ وَارِثًا نُزِعَ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَأُعْطِيَهُ بَعْدَ الْبَحْثِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ فَإِذَا اكْتَفَوْا فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِعْطَائِهِ حَالًا مِنْ غَيْر بَحْثٍ وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ لِإِعْطَائِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فَأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ فِي الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ هَذَا وَارِثِي لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلشَّهَادَةِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْإِقْرَارِ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَا ذَكَرْته وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ لِمُنَابَذَتِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْأَصْحَابِ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي شَهَادَةٍ بَعْدَ ذِكْرِ جِهَةٍ فِي الدَّعْوَى فَكَانَتْ الْجِهَةُ مَذْكُورَةً فِي الشَّهَادَةِ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا لَا يُلَاقِي كَلَامَ الْقَفَّالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْجِهَةِ وَالْقَفَّالُ إنَّمَا مَنَعَ الْإِقْرَارَ الْخَالِيَ عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ قُلْت هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُلَاقِيه لِمَا عَرَفْت أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي الشَّهَادَةِ بِمَا لَمْ يُشَدِّدُوا بِهِ فِي الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَبْعُدْ مَعَ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَرَرْته، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَمَلَ كَلَامَ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ أَنَّ مُرَادَ الْمُقِرِّ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَعَرَفَ انْحِصَارَهَا فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَمَا ذَكَرْته أَوْجَهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فَإِنْ قُلْت مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَزْوِينِيِّ السَّابِقُ مِنْ ثُبُوتِ حَصْرِ الْوَرَثَةِ بِالْإِقْرَارِ هَلْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ قُلْت نَعَمْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا سِيَّمَا الْإِمَامَ أَبَا عَمْرو بْنِ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتُهُ يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ فَكَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ قَالَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت مَا ذُكِرَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةٍ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ فَإِنْ قَالَا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ وَالْجَمَّالِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِأَفْضَل الْحَضْرَمِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا قُلْت الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالشَّيْخَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ سَمَاعِ الدَّعْوَى ذِكْرُ الْجِهَةِ وَعِبَارَتُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ وَطَلَبَ إرْثَهُ وَجَبَ بَيَانُ جِهَةِ إرْثِهِ مِنْ نَحْوِ أُخُوَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا أَخُوهُ وَوَارِثُهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَلَا تُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ قَالُوا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّبَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَجِبُ فِيهَا تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ كَالدَّعْوَى وَذَكَرُوا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا بُدَّ مِنْ جِهَةِ الْإِرْثِ عَلَى طِبْقِ مَا ذُكِرَ فِي الدَّعْوَى فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْحَصْرَ لَا يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّ لِذِكْرِ الْجِهَةِ مِنْ خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ الْمَيِّتِ أَفَادَ الْحُكْمَ بِالْإِرْثِ وَإِعْطَاءِ التَّرِكَةِ حَالًا وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لِذِكْرِ الْجِهَةِ بِأَنْ اقْتَصَرَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهَا أَوْ ضَمَّاهُ وَلَيْسَا خَبِيرَيْنِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِي إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ الْقَوِيِّ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَا وَارِثَ آخَرَ فَذَلِكَ هُوَ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْحَصْرِ، وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّهُ يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ فَهُوَ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ كَالدَّعْوَى بِهِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَكْفِ تَفْصِيلُ الدَّعْوَى عَنْ تَفْصِيلِ الشَّهَادَةِ هُنَا قُلْت عِلَّتُهُ الِالْتِبَاسُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ فِي جِهَاتِ الْإِرْثِ وَتَمَيُّزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ وَمَنْ يَحْجُبُ وَيُحْجَبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَوَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ بَيَانُ الْجِهَةِ سَوَاءٌ أَضَمَّ لِذَلِكَ الْحَصْرِ أَمْ لَا وَهَذَا أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِمَّا اعْتَمَدَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَغَيْرِهِ وُجُوبَ التَّفْصِيلِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: هَلْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دِرْهَمًا مَثَلًا إذَا عُرِفَ سَبَبُهُ كَأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَشَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا فِيهِ وَجْهَانِ أَشْهُرُهُمَا لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وَافَقَ الْحَاكِمَ فِي مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَسْبَابِهَا بَلْ وَظِيفَتُهُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ رَآهُ سَبَبًا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute