الْجَارِي عَلَى غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَالْإِتْقَانِ فَلْيُعْتَمَدْ إذْ شَرْطُ النَّظَرِ لِلْأَكْبَرِ كَشَرْطِهِ لِلْأَصْلَحِ فَهُوَ شَرْطُ نَظَرٍ عَامٍّ فِيهَا لِتَصَوُّرِ بَقَائِهِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ شَرْطِهِ لِكُلِّ بَطْنٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ وَعِبَارَةُ أَبِي زُرْعَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَأْخَذُ إفْتَاءِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِمَا مَرَّ فَلَعَلَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَانْتَقَلَ بَعْضُ الْوَقْفِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَالْأَرْشَدُ مِنْ الْأَوَّلِ فَأَجَّرَ الْأَرْشَدُ، ثُمَّ مَاتَ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلْنَذْكُرْ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الرَّاجِحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ نَاظِرِ الْوَقْفِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَاكِمًا أَوْ نَائِبَهُ أَوْ مَشْرُوطًا لَهُ النَّظَرُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَاظِرٌ لِلْجَمِيعِ وَلَا يَخْتَصُّ تَصَرُّفُهُ بِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَحَكَى جَمْعٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ أَيْضًا وَلَوْ أَجَّرَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا انْفَسَخَتْ
وَاسْتَشْكَلَ كَثِيرُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَقَالَتَيْنِ وَتَصْوِيرَ إجَارَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ لَهُ النَّظَرَ فَهُوَ يَتَوَلَّى الْوَقْفَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَهُ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَبْعُدُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَأَبِي زُرْعَةَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الِاسْتِقْصَاءِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَسُلَيْمٍ وَابْنِ الصَّلَاحِ بِتَصْوِيرِهَا بِمَا إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِكُلِّ بَطْنٍ عَلَى حِصَّتِهِ خَاصَّةً فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهُ فَحِينَئِذٍ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ لِعَدَمِ عُمُومِ نَظَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ صَرِيحًا بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ جَمْعٍ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْإِمَامُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ أَيْ: الَّذِي لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لِيَكُونَ نَظَرُهُ لِكُلٍّ كَنَظَرِهِ لِلْآخَرِ أَيْ فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَتَقَيَّدَ نَظَرُهُ بِحِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ قَوْلُ هَؤُلَاءِ لِيَكُونَ نَظَرُهُ لِكُلٍّ كَنَظَرِهِ لِلْآخَرِ كَمَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْعَامِّ كَذَلِكَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعَاقِدَ نَاظِرٌ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا إذَا أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي فَمَوْتُهُ لَا يُؤَثِّرُ فَالضَّمِيرُ فِي مَوْتِهِ رَاجِعٌ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَا لِلْمُتَوَلِّي
يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْعَامِّ مَا لَوْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَمَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ لِانْتِقَالِ الْمَنَافِعِ إلَيْهِمْ بِجِهَةِ الْوَقْفِ وَالشَّخْصُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِذَا اتَّضَحَ لَك أَنَّ شَرْطَ الِانْفِسَاخِ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيَّدَ نَظَرُهُ بِحِصَّةٍ خَاصَّةٍ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ مِنْ التَّقْيِيدِ مَا فِي السُّؤَالِ مِنْ كَوْنِهَا وَقَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا وَشَرَطَتْ النَّظَرَ لِنَفْسِهَا مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّقْيِيدِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ هُنَا بَقَاءُ النَّظَرِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِأَنْ تُقِرَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَسْرِي ذَلِكَ عَلَيْهَا وَتُؤَاخَذُ بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ نَظَرُهَا فَتُصُوِّرَ بَقَاءُ نَظَرِهَا مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا فَكَانَ نَظَرُهَا عَامًّا لَا خَاصًّا بِخِلَافِ شَرْطِ النَّظَرِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِاسْتِحْقَاقِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ وَنَظَرُهُ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ بَقَاءُ النَّظَرِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ النَّظَرُ خَاصًّا وَيُوَافِقُ مَا رَجَّحْتُهُ مَا مَرَّ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ صَاحِبِ الْعُبَابِ نَعَمْ لَوْ أَجَّرَ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَيْثُ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِكُلِّ بَطْنٍ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَائِهَا انْفَسَخَتْ فِي الْبَاقِي فَقَطْ اهـ.
وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ بِالِانْفِسَاخِ قُلْت لَا يُنَافِيه بَلْ يُوَافِقهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ بَلْ ضَمَّ إلَيْهِ قَوْلَهُ فِي حِصَّتِهِ فَقَيَّدَهُ بِالْحِصَّةِ حَتَّى إذَا انْتَقَلَ الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ بَقَاءُ نَظَرِهِ لَهُ فَلَيْسَ نَظِيرَ مَا فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِمُدَّةِ الْحَيَاةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا لَا يَقْتَضِي سَلْبَ النَّظَرِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ التَّقْيِيدِ بِالْحِصَّةِ فَافْتَرَقَا رَقَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْحِصَّةِ وَبَيَّنَّا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَيَاةِ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يُلْحَقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute