للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأُولَى بِالْبِنَاءِ الْحَادِثِ؟ وَكَيْفَ وُصُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وُضُوحًا شَافِيًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلِ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيَّرَ هَيْئَةَ الْوَقْفِ وَأَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَقْتَضِي هَدْمَ بِنَائِهِ؟ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي التَّغْيِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْوَقْفِ عَنْ هَيْئَتِهِ فَلَا يَجْعَلُ الدَّارَ بُسْتَانًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا بِالْعَكْسِ إلَّا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ إلَى النَّاظِرِ مَا يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ.

وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ حَانُوتُ الْقَصَّارِينَ لِلْخَبَّازِينَ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَكَأَنَّهُ احْتَمَلَ تَغَيُّرَ النَّوْعِ دُونَ الْجِنْسِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا جَوَازُ التَّغْيِيرِ حَيْثُ بَقِيَ الِاسْمُ وَالْجِنْسُ، سَوَاءٌ أَكَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ إذْهَابُ شَيْءٍ مِنْ عَيْنِ الْوَقْفِ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمَا كَالْأَصْحَابِ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَفَاسِدُ لَا تَخْفَى؛ وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ السُّبْكِيّ مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخَادِمِ وَالضَّابِطُ فِي الْمَنْعِ تَبَدُّلُ الِاسْمِ أَيْ: مَعَ الْجِنْسِ لِمَا تَقَرَّرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي عِلَّةِ مَنْعِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ أَنَّهُ يُنْقِصُ الْوَقْفَ وَيُخَالِفُ غَرَضَ الْوَاقِفِ.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا يُفْهِمُ أَنَّ أَغْرَاضَ الْوَاقِفِينَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهَا يُنْظَرْ إلَيْهَا اهـ.

وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَفَّالُ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلِهَذَا كَانَ شَيْخُنَا عِمَادُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ تَغْيِيرَ بَعْضِ بِنَاءِ الْوَقْفِ فِي صُورَتِهِ لِزِيَادَةِ رَيْعِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ بِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ ذَكَرَهُ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ لَأَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ. وَقُلْت لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي وَقْتِهِ تَقِيِّ الدِّينِ الْقَشِيرِي أَيْ: ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ فِعْلِ الْقُضَاةِ مِنْ تَغْيِيرِ بَابٍ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَذَكَرَ عَنْهُ كَلَامًا أَشْعَرَ بِرِضَاهُ بِذَلِكَ وَبَيَّنَ فِي الْخَادِمِ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَقَالَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ: وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ وَوَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ فِي تَغْيِيرِ بَابٍ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى. وَقُلْت ذَلِكَ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيد فَقَالَ: كَانَ وَالِدِي يَعْنِي الشَّيْخَ مَجْدَ الدِّينِ يَقُولُ: كَانَ شَيْخِي الْمَقْدِسِيُّ يَقُولُ بِذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَأَشْعَرَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ بِرِضَاهُ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: قَالَ السُّبْكِيّ: وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ قُدْوَةَ زَمَانِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلِذَلِكَ اغَتَبَطَ بِمَا اسْتَشْعَرَهُ مِنْ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَكَانَ بِحَيْثُ يُكْتَفَى مِنْهُ بِدُونِ ذَلِكَ قَالَا أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ فِي التَّوَسُّطِ وَالزَّرْكَشِيَّ فِي الْخَادِمِ قَالَ السُّبْكِيّ وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْجَوَازَ بِشَرْطَيْنِ هَذِهِ عِبَارَةُ التَّوَسُّطِ.

وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:

أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ.

الثَّانِي: أَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْتَقِلُ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَإِنْ اقْتَضَى زَوَالَ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي نَصَّ الْوَاقِفُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْخَادِمِ الشَّارِعُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ عَلَى جِنْسِهِ تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ زَادَ فِي التَّوَسُّطِ وَهُوَ الْعَيْنُ وَالرَّقَبَةُ وَهِيَ مَادَّةُ الْوَقْفِ وَصُورَتُهُ الْمُسَمَّاةُ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَامٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَيَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى إبْقَاءِ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَإِنْ وَقَعَ التَّسَمُّحُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ، وَاسْتَنَدَ إلَى مَا سَبَقَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ فِي حَانُوتِ الْحَدَّاد اهـ. زَادَ فِي الْخَادِمِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ وَعَلَى هَذَا فَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّبَرَسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ وَكَذَلِكَ فَتْحُ أَبْوَابِ سَطْحِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ لَا حَاجَةَ لِلْحَرَمِ بِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ سَاكِنِيهَا فَلِهَذَا لَا تَجُوزُ. قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ لَمَّا زُيِّنَتْ الْقَاهِرَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ زِينَةً عَظِيمَةً أَفْتَى بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهَا قَالَ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْمَلُ لِلنَّظَرِ إلَيْهَا فَهُوَ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهَا فَفِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهَا حَمْلٌ عَلَى تَرْكِهَا فَكَذَا هُنَا، وَحَيْثُ امْتَنَعَ الْفَتْحُ امْتَنَعَ الِاسْتِطْرَاقُ، نَعَمْ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّغْيِيرِ إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْبُيُوتِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَرَمِ فَيُحْتَمَلُ جَوَازُ دُخُولِهِ مِنْهُ وَيَقْوَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ وَيُخَافُ مِنْ دَرَجِ الْحَرَمِ اهـ.

وَمَا قَالَهُ فِي مَنْعِ فَتْحِ بَابٍ مِنْ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ إلَى الْآخَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>