الْوَجْهُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْقَدْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ.» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَدِّ الْأَبْوَابِ الزَّائِدَةِ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ الْعَامَّةِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَى مَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِهِ إشْكَالٌ عَلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ الْأَبْوَابَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ الَّتِي وُضِعَ الْمَسْجِدُ عَلَيْهَا لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَقْفِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْهَيْئَةِ الَّتِي وُضِعَ عَلَيْهَا أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَزِمَ عَلَيْهِ فَتْحُ بَابٍ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَكُوَّةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقْتَضِيه مَصْلَحَتُهُ حَتَّى يَجُوزَ وَفِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْخَادِمِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الْآتِي وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَفْتَحَ فِي دَارِهِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَسْجِدِ بَابًا إلَى الْمَسْجِدِ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ نَقُولَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَاقِفِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَفَ الْمَسْجِدَ، لَكِنَّ الْوَقْفَ يَزُول عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَالْأَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْخَبَرِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْحَاجَةِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ ذَلِكَ.
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ رِبَاطٌ مَوْقُوفٌ اقْتَضَتْ مَصْلَحَةُ أَهْلِهِ فَتْحَ بَابٍ مُضَافٍ إلَى بَابِهِ الْقَدِيمِ.
أَجَابَ إنْ اسْتَلْزَمَ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَنْ هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ يَفْتَحَ إلَى أَرْضٍ وُقِفَتْ بُسْتَانًا مَثَلًا فَيَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرُ مَحِلِّ الِاسْتِطْرَاقِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ طَرِيقًا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَرْضَ غَرْسٍ وَزِرَاعَةٍ فَهَذَا وَشِبْهُهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ فَتْحِ بَابٍ جَدِيدٍ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْوِيغِهِ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا حَدَثَانِ عَهْدِ قَوْمك بِالْكُفْرِ لَجَعَلْت لِلْكَعْبَةِ بَابَيْنِ» قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: وَهَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْوَذِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ إيطَانِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي أَنْ يُتَّخَذَ وَطَنًا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا يَتَّخِذُ مِنْهُ مَوْضِعًا فَقَدْ بَنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا مِنْ طِينٍ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَهَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْعِلْمِ مِنْ سُنَنِهِ وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِحَدِيثِ الْكَعْبَةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَابَيْنِ كَانَا فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَفَتْحُ الثَّانِي لِرَدِّ مَا كَانَتْ الْكَعْبَةُ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا بُدَّ أَنْ يُصَانَ ذَلِكَ عَنْ هَدْمِ شَيْءٍ لِأَجْلِ الْفَتْحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْوَقْفِ فِيهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ الْفَتْحُ بِانْتِزَاعِ حِجَارَةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي طَرَفِ الْحِجْرِ مِنْ الْمَكَانِ فَلَا بَأْسَ اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ فِي بَابٍ جَدِيدٍ فِي الْحَرَمِ إذَا ضَاقَتْ أَبْوَابُهُ مِنْ ازْدِحَامِ النَّاسِ وَنَحْوِهِمْ فَفُتِحَ فِيهِ بَابٌ آخَرَ لِيَتَّسِعُوا هـ. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَسُقْته مَعَ طُولِهِ لِأُبَيِّنَ مَا فِيهِ، فَقَوْلُهُ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ مِنْ مَنْعِ فَتْحِ بَابٍ مِنْ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الْمُتَلَاصِقَةِ إلَى الْآخَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَخْ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ جَعْلِهِمْ الْمَسَاجِدَ الْمُتَلَاصِقَةَ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي الْقُدْوَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَنَحْوَهُ أَحْكَامٌ لَا يَعُودُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَلَى تِلْكَ الْمَسَاجِدِ بِوَجْهٍ، وَأَمَّا الْفَتْحُ فِي جُدْرَانِهَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا أَيَّ ضَرَرٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُسَوِّغٍ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَى الْفَتْحِ فَاتُّجِهَ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ لَا الزَّرْكَشِيُّ وَأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ لَا يَشْهَدُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ عَقِبَ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ دَلِيلٌ إلَخْ هُوَ كَمَا قَالَهُ وَقَوْلُهُ وَيَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَى مَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِهِ إشْكَالٌ إلَخْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَعَلْنَاهَا مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ لَا يَلْزَمُ عَلَى سَدِّهَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَقْفِ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْمَحْذُورَ لَيْسَ هُوَ كُلَّ تَغْيِيرٍ، بَلْ تَغْيِيرٌ يُؤَدِّي إلَى زَوَالِ الِاسْمِ وَالْجِنْسِ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ، وَمِنْ الْجَلِيِّ أَنَّ سَدَّ الْأَبْوَابِ لِحَاجَةٍ اقْتَضَتْهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ التَّغْيِيرِ الْمُمْتَنِعِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَزِمَ عَلَيْهِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاقِعَةً حَالَ قَوْلِيَّةٍ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِيهَا يَقْتَضِي عُمُومَهَا إلَّا أَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute