بِوَحْيٍ بِالسَّدِّ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا إشْكَالَ. (خَاتِمَةٌ سَبَبُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا أَنَّ السُّلْطَانَ قَايِتْبَايْ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مَدْرَسَةً وَيَجْعَلَ الْحَائِطَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ وَيَفْتَحَ فِيهِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَشَبَابِيكَ مُطِلَّةً عَلَيْهِ مَنَعَ نَائِبَهُ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ مَرْسُومًا مِنْ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ فَبَلَغَهُ مَنْعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اسْتَفْتُوا الْعُلَمَاءَ فَأَفْتَاهُ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاعَةٌ بِالْجَوَازِ، مَنَعَ آخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْعَجَبِ زَعْمُ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُخْتَصَّةٌ بِالْجِدَارِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ أُزِيلَ، وَهَذَا الْجِدَارُ مِلْكٌ لِلسُّلْطَانِ يَفْتَحُ فِيهِ مَا شَاءَ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِوَقْفِهِ ثُمَّ لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ فَتْحُ بَابٍ وَعَدَلُوا إلَى الْفَتْحِ مِنْ الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ وَاسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى جَوَازِ الْفَتْحِ بِأَنَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ مَفْتُوحٌ فَيُفْتَحُ نَظِيرُهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي فَتْحِ بَابٍ، بَلْ أُمِرَ بِسَدِّ بَابِهِ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي خَوْخَةٍ صَغِيرَةٍ، فَلَا يَجُوزُ الْآنَ فَتْحُ بَابٍ كَبِيرٍ قَطْعًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمَعْنَى الِاسْتِطْرَاقُ فَيَسْتَوِي الْبَابُ وَالْخَوْخُ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ نَصَّ الشَّارِعِ صَرِيحٌ بِالتَّفْرِقَةِ لِأَمْرِهِ بِسَدِّ بَابِهِ وَإِبْقَاءِ خَوْخَتِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَقِيَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ وَاتَّفَقَ هَدْمُهَا وَإِعَادَتُهَا أُعِيدَتْ بِتِلْكَ الْخَوْخَةِ كَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا تَحْوِيلٍ لَهَا عَنْ مَحِلِّهَا، لَكِنَّ دَارَ أَبِي بَكْرٍ هُدِمَتْ وَأُدْخِلَتْ فِي الْمَسْجِدِ زَمَنَ عُثْمَانَ وَفِي جَوَازِ بِنَاءِ دَارٍ بِإِزَائِهَا وَفَتْحِ خَوْخَةٍ مِنْهَا نَظِيرَ تِلْكَ تَرَدُّدٌ وَاحْتِمَالٌ وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهَا فَلَا تَتَعَدَّى لِغَيْرِهَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ وَأَبْدَى لِاحْتِمَالِ الْجَوَازِ وَجْهَيْنِ وَشَرْطَيْنِ يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يُفْتَحُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْخَوْخَةِ لَا أَوْسَعَ وَعَلَى سَمْتِهَا لَا فِي مَحِلٍّ آخَرَ، وَالْأَمْرَانِ مُتَعَذِّرَانِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهَا وَمَحِلِّهَا.
(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ شَخْصٍ تَصَدَّقَ عَلَى بَوَّابِينَ لِلْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ عَلَى مُشَرِّفِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِصَدَقَةٍ أَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْبَوَّابِينَ الْمَذْكُورِينَ وَلِلْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ أَبْوَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ مَثَلًا وَبَعْضُ الْأَبْوَابِ لَهُ بَوَّابَانِ وَبَعْضُهَا لَهُ بَوَّابٌ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ تُقَسَّمُ الصَّدَقَةُ أَوْ غَلَّةُ الْوَقْفِ الْمَذْكُورَتَانِ عَلَى عَدَدِ الْأَبْوَابِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الْبَوَّابِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُصْرَفُ عَلَى عَدَدِ الْأَبْوَابِ وَمَا يَخُصُّ كُلَّ بَابٍ يُصْرَفُ عَلَى عَدَدِ مَنْ بِهِ مِنْ الْبَوَّابِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوَّلِ وَبَيْنَهُمْ فِي الثَّانِي، وَمَأْخَذُ ذَلِكَ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الدُّورِ لَا عَلَى عَدَدِ السُّكَّانِ قَالَ السُّبْكِيّ: وَتُقَسَّمُ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعَمَلُ فِي الْبَوَّابَةِ بِالتَّعَدُّدِ لِلْبَوَّابِينَ فِي الْأَبْوَابِ وَإِلَّا قُسِّمَ عَلَى عَدَدِ الْبَوَّابِينَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ الْآنَ مَقْصُودٌ فَإِذَا اسْتَوَوْا فِيهِ اسْتَوَوْا فِيمَا عَلَيْهِمْ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ دَخَلَ إلَى الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَأَعْطَى الْبَوَّابِينَ بِهِ وَهُمْ تِسْعَةُ أَنْفَارٍ لِكُلِّ نَفَرٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ مُحَلِّقًا وَالتِّسْعَةُ الْأَنْفَارُ بَعْضُهُمْ مُقَرَّرٌ بِالْأَصَالَةِ فِي وَظِيفَةِ الْبِوَابَةِ بِتَقْرِيرِ النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ وَبَعْضُهُمْ نَائِبٌ بِالْأُجْرَةِ عَنْ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ مَثَلًا فَأَخَذَ الْبَوَّابُ جَمِيعَ الْمَبْلَغِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لِلْمُقَرَّرِينَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ شَيْئًا فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ أَوْ يُؤْخَذُ جَمِيعُ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ وَيُدْفَعُ لِلْمُقَرَّرِينَ فَقَطْ وَيَكْتَفِي الْبَوَّابُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُقَسَّمُ ذَلِكَ عَلَى التِّسْعَةِ الْأَنْفَارِ الْمَكْتُوبِينَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي دَفْتَرِ الْمُتَصَدِّقِ مَثَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ مُحَلِّقًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا أَعْطَاهُ الْمُتَصَدِّقُ بِنَفْسِهِ لَا رُجُوعَ بِهِ عَلَى الْمُعْطِي إلَّا بَعْدَ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ مِنْهُ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فِي الْبِوَابَةِ، بَلْ لَوْ قَالَ الْمُتَصَدِّقُ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ: إنَّمَا ظَنَنْت أَنَّهُ أَصْلِيٌّ لَا نَائِبٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلرُّجُوعِ عَلَى الْآخِذِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ، بَلْ وَمَعَ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ مَنْشَؤُهُ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي التَّنَازُعِ فِي دَعْوَى الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا.
(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ مَبْلَغٍ قَدْرُهُ نَحْوَ سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ ذَهَبًا وَرَدَتْ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى بَوَّابِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَقَبَضَ الْبَوَّابُ عَنْ الْبَوَّابِينَ الْمُقَرَّرِينَ جَمِيعَ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَدْفَعُوا لِلْبَوَّابِينَ الْمُقَرَّرِينَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute