للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَذِنَ لَهُ فِي غَرْسِ الشَّجَرَةِ وَارِسَالِ عُرُوقِهَا فِي أَرْضِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعِيرٌ فَإِنْ مَنَعَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ اهـ.

فَهَلْ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَمْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُلَّاكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ أَيْ: لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَقَالُوا أَيْضًا: إنْ تَصَرَّفَ بِمَا يَضُرُّ الْمِلْكَ فَلَهُ مَنْعُهُ، وَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا يُضَرُّ الْمَالِكَ فَلَا مَنْعَ وَاخْتَارَ الْمَنْعَ جَمَاعَةٌ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ مُطْلَقًا وَقَالُوا أَيْضًا: الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ فَمَا الرَّاجِحُ عِنْدَكُمْ؟ أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: قَدْ جَاءَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ بِلَادِكُمْ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَأَنَا أَكْتُبُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مَذْهَبُنَا الْمُوَافِقُ لِغَيْرِنَا فَكَأَنَّ أَهْلَ بِلَادِكُمْ لَا يَمْتَثِلُونَ الشَّرْعَ وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ انْتَشَرَتْ عُرُوقُ شَجَرَةِ الْغَيْرِ إلَى أَرْضِهِ جَازَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمَالِكِ بِتَحْوِيلِهَا أَوْ قَطْعِهَا مِنْ مِلْكِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ، فَلَهُ تَحْوِيلُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ قَطْعُهَا وَقَلْعُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَمَتَى كَلَّفَ مَالِكَهَا قَلْعَهَا فَنَقَصَتْ الْأَرْضُ بِذَلِكَ لَزِمَ الْقَالِعَ أَرْشُ نَقْصِهَا؟ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي إجْبَارِ مَالِكِ الْعُرُوقِ عَلَى قَلْعِهَا بَيْنَ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ أَوْ يَمُوتَ بِهِ شَجَرُهُ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ قَلْعَ الْعُرُوقِ الْمُنْتَشِرَةِ إلَى أَرْضِهِمْ أَمْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْفِرَ الْأَرْضَ مَالِكُهَا حَفْرًا عَمِيقًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ حَتَّى تَظْهَرَ الْعُرُوقُ فَيُطَالَبُ مَالِكُهَا بِقَلْعِهَا أَوْ تَكُونَ الْعُرُوقُ ظَاهِرَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، نَعَمْ مَنْ اشْتَرَى الْأَرْضَ مِنْ أَوَّلِ انْتِشَارِ الْعُرُوقِ إلَيْهَا ثُمَّ عَظُمَتْ وَأَضَرَّتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إزَالَتُهَا لِعِلْمِهِ حَالَ الشِّرَاءِ بِأَنَّهَا سَتَزِيدُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ شَيْئًا فِي إنَاءٍ وَجَعَلَهُ فِي حَوْضٍ مِلْكُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ الْإِنَاءُ وَسَوَّقَهُ إلَى بِرْكَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ فِي أَرْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ دَخَلَ مِنْهُ شَيْءٌ مِلْكُ إنْسَانٍ بِسَيْلٍ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ بِأَنْ حَفَرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي، فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ.

كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ مِلْكَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرْضِينَ، وَأَمَّا الشُّرْبُ وَالِاسْتِعْمَالُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ أَيْ: فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ جَعْلِهِ فِي الْحَوْضِ وَسَوْقِهِ إلَى بِرْكَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ أَمْلَاكِهِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ وَبَيْنَ دُخُولِهِ الْأَمْلَاكَ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ فَلِمَ لَا يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ فِي ذَلِكَ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي سَقْيِ الْأَرْضِ لِتَوَحُّلِ الصَّيْدِ وَالْبِنَاءِ لِتَعْشِيشِ الطَّيْرِ حَيْثُ يَمْلِكُ الصَّيْدَ وَالْبَيْضَ وَالْفَرْخَ بِذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ وَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرْضِينَ، وَأَمَّا الشُّرْبُ وَالِاسْتِعْمَالُ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ سَقْيِ الْأَرْضِينَ وَمَا ذَكَرُوهُ بَعْدَهَا؟ وَهَلْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ الْمَاءِ عَلَى إبَاحَتِهِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِمِلْكِهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي فَاضِلِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ أَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الدَّاخِلِ فِي النَّهْرِ مِنْ السَّيْلِ لِاتِّسَاعِهِ غَالِبًا لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِيمَا يُعْتَادُ مِنْ ذَلِكَ؟

وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ سَقْيِ الْأَرْضِينَ لَوْ سَقَى بِهِ الْغَيْرُ أَرْضًا فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ هَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَاءِ؟ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا وَالْمَاءُ فِيهَا مُسْتَوٍ عَلَيْهَا غَيْرَ مَكْسُورَةٍ وَبَيْنَ قِيمَتِهَا الْآنَ يَابِسَةً كَمَا قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَرْضُ الْغَيْرِ مُسْتَوِيًا عَالِيهَا الْمَاءُ فَأَجَّرَهَا شَخْصٌ آخَرُ، وَمَا حَقِيقَةُ الْجَعْلِ وَالسَّوْقِ فِي قَوْلِهِمْ جَعَلَ فِي حَوْضِهِ أَوْ سَاقَهُ إلَى أَرْضِهِ فَإِنَّ الْجَعْلَ فِي الْإِنَاءِ فِي الْعُرْفِ إبْقَاؤُهُ فِيهِ وَلَا نَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُهُمْ هُنَا وَالسَّوْقُ لَمْ نَفْهَمْ مَا الْمُرَادَ مِنْهُ هُنَا، فَإِنَّ السَّوْقَ فِي الْعُرْفِ حَثُّ السَّائِقِ لِلْمَسُوقِ مِنْ خَلْفِهِ وَجَوَانِبِهِ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ مُتَأَصِّلَةٌ فِي الْمَاءِ وَقَوِيَّةٌ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى لَنَا وَجْهٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَإِذَا ثَبَتَ تَأَصُّلُ الْإِبَاحَةِ فِيهِ اُحْتِيجَ فِي تَمَلُّكِهِ إلَى سَبَبٍ قَوِيٍّ دَالٍّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا وَذَلِكَ السَّبَبُ الْقَوِيُّ، إمَّا أَخْذُهُ فِي إنَاءٍ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>