للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُؤَثِّرُ هَا هُنَا فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ مَا قَامَ مَقَامَهُ فِي الْعُرْفِ اهـ؟

مُلَخَّصًا وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا تَوَقَّفَ فِيهِ وَأَفْتَى بِالْجَوَازِ وَيُجَابُ عَنْ عِلَّةِ تَوَقُّفِهِ بِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَا لَيْسَ شَرْطًا، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عَدَمُ الْمَنْعِ وَيُعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّ نَحْوَ الصَّغِيرِ لَوْ رَشَدَ لَمْ يُمْنَعْ، فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ فِي إبَاحَةِ تَنَاوُلِ مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِذْنِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَنْعِ وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ السَّابِقِ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى إبَاحَتِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهَلْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ الْمَاءِ عَلَى إبَاحَتِهِ وَقَوْلُهُ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِمِلْكِهِ فَيَأْتِي فِيهِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَوْلُ السَّائِلِ: أَمْ يُفَرَّقُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ إيجَابِ بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ، فَإِذَا مَنَعَ مِنْ الْمَاءِ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ الْكَلَإِ كَذَا قَالُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ إذَا قُلْنَا إنَّ مَاءَهُ مَمْلُوكٌ

بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِ مَائِهِمَا بِشَرْطِهِ مَعَ قِلَّةِ مَائِهِمَا فَلَأَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ الْمُتَّسِعِ الْمَاءِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَإِنْ قُلْت مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْمَاءِ يُنَافِيه مَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَطَبِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ أَشْعَلَ نَارَهُ فِيهِ مَنْعُ أَحَدٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَعَلَيْهِ وَعَلَى الشِّقِّ الْأَخِيرِ الْآتِي يُحْمَلُ الْحَدِيثُ، وَحَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا جَازَ الْمَنْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالْأَخْذِ مِنْهَا وَنَحْوِهِ.

وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْقَمُولِيُّ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ وَحَمَلَ قَوْلَ الْمُتَوَلِّي، أَمَّا الِاسْطِلَاءُ أَوْ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا مَنْعَ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْقَمُولِيُّ أَيْضًا قَوْلَ الْمُتَوَلِّي إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا مَنَعَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ لِدَفْعِ بَرْدٍ أَوْ تَخْفِيفِ ثَوْبٍ لَمْ يَمْنَعهُ وَلَا يَأْخُذهُ مِنْهُ عِوَضًا فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضِ بَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ اهـ.

قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّ غَيْرَهُ كَالْحَطَبِ لَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْحَال وَيَتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فِيهِمَا فَلِذَلِكَ سَامَحُوا فِيهِ مَا لَمْ يُسَامِحُوا بِهِ غَيْرَهُ، عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ الْحَطَبُ كَالْمَاءِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ إشْعَالَ النَّارِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَهُ وَلَا الِاخْتِصَاصَ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَا فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الِاسْتِضَاءَةَ مِنْهُ مُتَسَامَحٌ بِهَا عَادَةً فَهِيَ كَالشُّرْبِ مِنْ الْمَمْلُوكِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْمَنْعُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ فَهُوَ كَأَخْذِ مَا لَا يُتَسَامَحُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا مِنْ وُجُوبِ قِيمَةِ الْمَاءِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا لَمْ يُغَلَّ بِالنَّارِ نَعَمْ مَحِلُّ وُجُوبِ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي بَابَيْ التَّيَمُّمِ وَالْغَصْبِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا بِقِيمَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لِمَا فِي أَمْرِهِ بِأَخْذِ الْمِثْلِ مِنْ الْإِجْحَافِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ تَافِهٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَخَذَهُ فِي مَفَازَةٍ، وَإِنْ غَرِمَ الْقِيمَةَ فِي الْوَطَنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ فَرْضَ الْغُرْمِ بِمَحِلِّ الشُّرْبِ أَوْ بِمَحِلٍّ آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ يَوْمَ الْإِتْلَافِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً غَرِمَ مِثْلَ الْمَاءِ كَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْعِدَّةِ

وَاسْتُشْكِلَ وُجُوبُ الْمِثْلِ عِنْدَ كَوْنِهَا يَسِيرَةً وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا يُعَدَّلُ حَيْثُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَنَقْصِهَا كَمَا لَا نَظَر لِتَفَاوُتِ الْأَسْعَارِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْن وَهُوَ وَجِيهٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ: الشَّمْسِ الْجَوْجَرِيِّ: الْإِشْكَالُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إذَا كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ دِرْهَمًا وَفِي مَكَانِ الْإِتْلَافِ وَزَمَانِهِ أَلْفًا فَإِيجَابُ دُونَ الْقِيمَةِ إجْحَافٌ بِالْمَالِكِ، وَهُمْ إنَّمَا عَلَّلُوا الْعُدُولَ إلَى الْقِيمَةِ بِدَفْعِ الْإِجْحَافِ يُرَدُّ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقِيمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْإِجْحَافُ

وَأَمَّا حَيْثُ كَانَ لِلْمِثْلِ قِيمَةٌ فَلَا عُدُولَ عَنْهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الْآتِي فِي الْغَصْبِ، وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ أَيْ: صَاحِبُ الْإِرْشَادِ بِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْء لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً إذَا ظَفِرَ بِهِ الْمَالِكُ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ لَا يُطَالِبُهُ بِالْمِثْلِ، بَلْ بِقِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمَالِكُ قَبُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>