الْمِثْلِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْأَلْيَقَ بِكَلَامِهِمْ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً أَمْ لَا، وَاعْتِبَارُ مُؤْنَةِ النَّقْلِ أَمْرٌ مَرَّ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ قَدْ يُجَامِعُهُ، وَقَدْ لَا فَحَيْثُ كَانَ الْمِثْلُ مُتَقَوِّمًا وَلَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً وَجَبَ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْإِتْلَافِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ دُونَ قِيمَةِ بَلَدِ الْإِتْلَافِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَمَا اقْتَضَاهُ جَوَابُهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَاءَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْإِتْلَافِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ دُونَ قِيمَةِ مَحِلِّ الْإِتْلَافِ مُخَالِفٌ لِصَرِيخِ كَلَامِهِمْ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ فِي التَّمِيم، وَعِبَارَتُهُ فِي الْغَصْبِ: نَعَمْ إنْ خَرَجَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فِي مَفَازَةٍ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ وَكَجَحْدِ غَصْبِهِ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ فِي الصَّيْفِ ثُمَّ اجْتَمَعَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ أَوْ بِمَحَلِّ قِيمَتِهِ فِيهِ تَافِهَةٌ كَهِيَ عَلَى الشَّطِّ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا بِقَلِيلٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ فِي الشِّتَاءِ فِي الثَّانِي لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ فِي تِلْكَ الْمَفَازَةِ أَوْ فِي الصَّيْفِ، ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ أَوْ فِي الصَّيْفِ فَلَا تَرَادَّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ بِمَحِلٍّ الْغَالِبُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا أَوْلَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَلَوْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْمِثْلُ قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ
ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمِثْلُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَإِنْ نَازَعَ الشَّارِحُ أَيْ: الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِيهِ وَفِي اقْتِضَاءِ كَلَامِهِمْ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ النَّقِيبِ مَا لَا يَخْفَى رَدُّهُ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ إذْ قَوْلُهُ: إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَأَيُّ رِفْقٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ بِالْمَفَازَةِ أَلْفًا وَبِمَحِلِّ الْإِعْطَاءِ دَانِقًا، يُرَدُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ غَصَبَ بُرًّا مَثَلًا يُسَاوِي أَلْفًا فَرَدَّ مِثْلَهُ وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ لَا أَثَرَ لِلرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ عَلَى الشَّطِّ بِأَنَّ الْغَالِبَ ذَلِكَ حَيْثُ لَا صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ كَصَفَاءٍ وَبُرُودَةٍ وَلَوْ وَجَدَهُ لَا عَلَى الشَّطِّ وَنَحْوِهِ، بَلْ فِي مَفَازَةٍ أُخْرَى طَالَبَهُ بِقِيمَةِ مَحِلِّ التَّلَفِ إنْ كَانَ لِحَمْلِ الْمَاءِ مُؤْنَةٌ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَبِهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا يَتَبَيَّنُ مَا فِي إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِسْنَوِيِّ وَأَنَّ مَا فِيهَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ إيجَابُ مِثْلِ الْمَاءِ لَا قِيمَتِهِ، فَإِنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ كَمَا سَبَقَ فِي الْغَصْبِ، وَلَمْ يُخَالِفُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي الْمَاءِ إلَّا إذَا غَصَبَهُ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ قَدِمَ الْبَلَدَ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ هُنَاكَ غَالِبًا اهـ. فِيهِ تَحَامُلٌ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهَا لَكَانَ أَصْوَبَ، وَقَدْ جَرَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته
فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ دُولَابٌ عَلَى نَهْرٍ عَظِيمٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ وَيَرْتَفِعُ الْمَاءُ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مُهَيَّأَةٍ لَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ الْمَاءُ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَتِهِ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ كَمَا لَوْ اسْتَسْقَاهُ بِنَفْسِهِ فِي إنَاءٍ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْصَبُّ مِنْ الدُّولَابِ فِي سَاقِيَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِمِلْكِ صَاحِبِ الدُّولَاب، فَجَاءَ جَارٌ لَهُ فَخَرَقَ السَّاقِيَةَ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ إلَى أَرْضِ الْجَارِ وَسَقَى بِهِ أَرْضَهُ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ أَمِثْلُ الْمَاءِ أَمْ ثَمَنُ مِثْلِهِ أَمْ أُجْرَةُ مِثْلُ الدُّولَابِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي انْتَفَعَ فِيهَا الْغَاصِبُ بِالْمَاءِ وَأُجْرَةُ مَا يُجْرَى مَجْرَاهُ مِنْ السَّاقِيَةِ وَغَيْرِهَا أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْمَاءِ وَالْأُجْرَةُ جَمِيعًا؟
(فَأَجَابَ) : نَعَمْ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ، وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِ الْغَاصِبِ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ مُحَصَّلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ الْمَأْخُوذُ مُعَدَّ السُّقْيَةِ بِهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ فِي الْبَادِيَةِ مَاءً أَخْذًا يُوجِبُ الضَّمَانَ حَيْثُ قُلْنَا يَضْمَنُهُ فِي الْحَضَرِ بِقِيمَتِهِ لَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ بِقَدْرِهِ فِي الْحَضَرِ لَيْسَ مِثْلًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ وَالْمَاءُ مِثْلِيٌّ اهـ.
وَوَقَعَ لِلْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وَفِيمَا أَطْلَقَهُ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ مَا اُغْتُصِبَ مِنْ مَاءِ الْقَنَاةِ وَنَحْوِهَا وَسَقْيُ الْأَرْضِ بِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ أَصْلًا وَلَا سِيَّمَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِقْدَارِ؟ وَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِيهِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْوَالِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْإِلْزَامِ بِمِثْلِ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي الرِّبَا وَحِينَئِذٍ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلضَّرُورَةِ تَخْمِينًا اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي ضِمْنِ عَقْدٍ دُونَ نَحْوِ فَسْخٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute