الْقِرَاءَةُ وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَإِنْ بَرِئَ لِمَ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْءَ يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ التُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ بَعْدَ إيصَالِهِ مَحَلَّ التَّيَمُّمِ أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَحِينَئِذٍ فَلَوْ انْفَصَلَ فَبَادَرَ إلَى أَخْذِهِ مِنْ الْهَوَاءِ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ) اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ؟ (وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ، وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ وَصَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى بَاقِي بَدَنِ الْمُتَيَمِّمِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَالْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ بِلَا فَرْقٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ مَا تَوَهَّمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ) اهـ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ضَعِيفٌ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَلَامٌ سَقِيمٌ أَمَّا أَوَّلًا: فَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْفَهْمِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَقَوْلُهُ؟ (وَعَلَى مُقْتَضَاهُ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ بِمَا إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْأَرْضِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ امْتَنَعَ الْإِجْزَاءُ بِهِ حَتَّى عِنْدَ الرَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا ثَالِثًا: فَقَوْلُهُ: (بَلْ الصَّوَابُ. .. إلَخْ) فِيهِ خَلْطُ طَرِيقَةٍ بِطَرِيقَةٍ إذْ هَذَا التَّصْوِيبُ إنَّمَا يَلِيقُ بِطَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ لَا بِطَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا رَابِعًا: فَقَوْلُهُ؟ (كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ) غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ طَرِيقَتِهِمَا.
وَأَمَّا خَامِسًا: فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا يَتَّضِحُ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ اسْتِفَادَةِ أُمُورٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ بِسَوْقِ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ مَتْنِهِ، وَهِيَ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بِمُسْتَعْمَلٍ وَهُوَ مَا وَصَلَ لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فِي حَالَةِ التَّيَمُّمِ، وَإِنْ تَنَاثَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ عُضْوِهِ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ خِلَافًا لِتَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ الْمُتَنَاثِرِ بِمَا إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا، وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ بِجَامِعِ أَنَّهُ قَدْ تَأَدَّى بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضٌ، نَعَمْ قَدْ يُؤَيِّدُ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ جَوَازُ رَفْعِ الْيَدِ وَوَضْعِهَا الْآتِي إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَفِي تَكْلِيفِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ مَشَقَّةٌ وَبِخِلَافِ هَذَا.
وَقِيلَ: الْمُتَنَاثِرُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لِكَثَافَتِهِ إذَا عَلِقَتْ مِنْهُ صَفْحَةٌ بِالْمَحَلِّ مَنَعَتْ الْتِصَاقَ غَيْرِهَا بِهِ، وَمَا يَلْتَصِقُ بِهِ لَا يَتَنَاثَرُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لِرِقَّتِهِ يُلَاقِي جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُلْتَصِقَ وَالْمُتَنَاثِرَ تَرَدَّدَانِ حَالَ الْمَسْحِ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ، فَسَقَطَ الْفَرْضُ بِالْجَمِيعِ وَاسْتَشْكَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ الْخِلَافَ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ إذْ تَعْلِيلُ الرَّاجِحِ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِأَنَّهُ أَصَابَ الْعُضْوَ، وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِهِ يَقْتَضِي عَكْسَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ اتِّصَالَهُ بِالْعُضْوِ وَلَا عَدَمَهُ، فَالضَّعِيفُ يَنْظُرُ إلَى الْكَثَافَةِ فَيَحْكُمُ بِوَاسِطَتِهَا عَلَى الْمُتَنَاثِرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَالرَّاجِحُ يَنْظُرُ إلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ وَالِاتِّصَالَ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ، وَإِنَّمَا تَنَاثَرَ بَعْدَ أَنْ لَاقَى مَا لَصِقَ بِهِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ بِاتِّفَاقِ الضَّعِيفِ وَمُقَابِلِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُلْصَقَ بِالْمَحَلِّ مُسْتَعْمَلٌ قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخَانِ، لَكِنْ حُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْمَاءِ مِنْ أَنَّهُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَادِمِ: الْمُرَادُ بِالْمُلْتَصِقِ الْمُلْتَصِقُ بِالْعُضْوِ ثُمَّ يَنْفَصِلُ أَمَّا الْمُلْتَصِقُ حَالَ الْتِصَاقِهِ فَكَالْمَاءِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا إذْ لَهُ إمْرَارُهُ عَلَى مَا لَمْ يَمَسَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ لِتَعَذُّرِهِ لِذَلِكَ لِلْفَرْضِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِالِاتِّصَالِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ لِوَاحِدٍ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى فَوَائِدَ يَعْرِفُهَا مَنْ تَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ نَذَرَ الْوَتْرَ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ الضُّحَى ثَمَانِيَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ الْوَتْرِ أَوْ كُلَّ الضُّحَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إذْ يُقَالُ: إنَّهُ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ الْمَذْكُورِ فَرِيضَةٌ لَا فَرَائِضَ، وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَا تَصِيرُ بِهِ الْفَرِيضَةُ فَرَائِضَ، وَإِنْ دَخَلَهَا التَّعَدُّدُ صُورَةً أَمْ لَا، وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ الضُّحَى وَالْوَتْرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرِيرُ التَّيَمُّمِ بِتَكْرِيرِ الْفُصُولِ مِنْ نَحْوِ الْوَتْرِ أَوْ الضُّحَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَنْذُورَةً وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّ