بِحَضْرَةِ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ كَسَبُعٍ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِسَفِينَةٍ، وَخَافَ مِنْ الْبَحْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ كَالْعَدَمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: مَنْ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا غَلَبَ ثَمَّ وُجُودُ الْمَاءِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِأَنَّهُ كَمَنَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ صَيَّرَهَا كَالْعَدَمِ، وَقُلْت فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ؟
(وَلَا قَضَاءَ إذَا تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إذَا تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ قَضَى مُقَيَّدٌ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَدَمِ) اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ فَقْدُهُ هُوَ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ دُونَ مَحَلِّ الصَّلَاةِ كَمَا جَرَيْت عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قُلْت فِيهِ فِي الْأَعْذَارِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَضَاءِ: (أَوْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُهُ وَلَوْ مُسَافِرًا لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ بِخِلَافِهِ بِمَحَلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ فِيهِ أَوْ اسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَلَوْ مُقِيمًا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي غَلَبَةِ الْفَقْدِ وَعَدَمِهَا بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ دُونَ مَحَلِّ الصَّلَاةِ) اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: وَلَوْ مَرَّ بِالْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَمْ يَقْضِ لِفَقْدِهِ لَهُ عِنْدَ التَّيَمُّمِ، وَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، فَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مَحَلُّ الْغَوْثِ، وَكُلُّ مَحَلِّ نُسِبَ إلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ مَعَ التَّوَهُّمِ، وَذَلِكَ الْمَحَلُّ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ دُونَ حَدِّ الْقُرْبِ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا الْمَحَلَّ الَّذِي يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ مَعَ التَّوَهُّمِ بِغَلْوَةِ سَهْمٍ وَيُسَمَّى حَدَّ الْغَوْثِ، وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الرُّفْقَةُ اسْتِغَاثَتَهُ مِنْهُ مَعَ اشْتِغَالِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ
وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ وَاخْتِلَافهَا صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَهَذَا دُونَ حَدِّ الْقُرْبِ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَدُّوهُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُهُ الرُّفْقَةُ لِلِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ، قَالُوا: وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ السَّابِقِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ مَا ذَكَرْته فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَدُّ الْقُرْبِ لَا حَدَّ الْغَوْثِ، وَعِبَارَتُهُ (وَلُغِيَ بَيْعُ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ فِي الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ وَلُغِيَ تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ أَوْ بَعْضِهِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَوُجُوبِ اسْتِرْدَادِهِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ بِحَدِّ الْقُرْبِ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُوهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْهِبَةُ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَجِبُ قَبُولُهُ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ، وَهُوَ بِحَدِّ الْقُرْبِ إذَا كَانَ مُسَافِرًا قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ هُنَا إنَّمَا أَلْغَى مَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَدَّى بِنَحْوِ بَيْعِهِ مَعَ احْتِيَاجِهِ لَهُ لِلتَّطَهُّرِ بِهِ فَلَزِمَهُ حَيْثُ كَانَ بِمَحَلِّ الْقُرْبِ طَلَبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ لِتَيَقُّنِهِ بِمَحَلِّ الْقُرْبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَلَبِهِ لَهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَصُورَتُهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهَا مَاءً بِمَحَلِّ غَوْثٍ وَلَا قُرْبٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلَبُهُ
وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ وُجُودِهِ فِيهِ أَوْ غَلَبَةُ فَقْدِهِ بِحَيْثُ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ الْفَقْدِ فِيهِ، وَفِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ إلَى حَدِّ الْغَوْثِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَوْ بِمَحَلٍّ مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ الْوُجُودِ أَوْ اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ وَفِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، فَالِاعْتِبَارُ هُنَا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيمَا مَرَّ بِحَدِّ الْقُرْبِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ لُزُومِ الطَّلَبِ بِشَرْطِ تَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ وَإِلْغَاءِ التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، فَالْمَلْحَظُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْك إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ -: فَمَا الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ. .. إلَخْ، وَعَنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ قَدَّرَ بِحَدِّ الْقُرْبِ إلَى آخِرِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ جَوَابُهُ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مُقَدَّرًا بِحَدِّ الْقُرْبِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ وُجُودِهِ فِي الْأَوَّلِ بَلْ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَلَبَةِ الْفَقْدِ أَوْ الْوُجُودِ وَلَا فِي الثَّانِي، بَلْ الْمُرَادُ فِيهِ وُجُودُهُ وَلَوْ وَهْمًا فِي حَدِّ الْغَوْثِ وَحَقِيقَةً فِي حَدِّ الْقُرْبِ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى نَحْوِ مَالٍ وَمَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ وَتَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَبَرِئَ هَلْ يَحِلُّ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ دُونَ غَسْلِ الْجَرِيحِ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ حَدَثَ الْمُتَيَمِّمِ لِلْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ يَنْقُضُ طُهْرَهُ الْأَصْغَرَ دُونَ الْأَكْبَرِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَطْرَأَ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ؟
(وَلَا يُعْرَفُ جُنُبٌ تُبَاحُ لَهُ الْقِرَاءَةُ أَوْ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا هَذَا) اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ الْمَذْكُورَ إنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ جَازَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute