الْأَرَاضِي السَّابِقِ إحْيَاؤُهَا عَلَى إحْيَائِهِ، سَوَاءٌ الَّتِي فِي ضَيْعَتِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا.
وَإِنْ بَعُدَتْ وَفَحُشَ بُعْدُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَرْضٍ سَبَقَ إحْيَاؤُهَا عَلَى إحْيَاءِ هَذَا الْحَادِثِ تَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَقْرَبَ إلَى مَجْرَى السَّيْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ السَّبْقَ لَيْسَ بِالْقُرْبِ، بَلْ بِالسَّبَقِ فِي الْإِحْيَاءِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ أَوْ السَّقْيِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّهِمْ وَبَعْضِهِمْ وَلَا بَيْنَ سُكُوتِهِمْ عَنْهُ مُدَّةً وَمُبَادَرَتِهِمْ بِالْمَنْعِ عَقِبَ الْإِحْيَاءِ فَلِبَعْضِهِمْ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ الْمُحْيِي الْحَادِثِ إلَى أَنْ مَاتَ أَنْ يَمْنَعَ وَرَثَتَهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ أَوْ السَّقْيِ بِتَفْصِيلِهِمَا السَّابِقِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ، فَإِذَا مَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَفَى، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ السَّقْيِ فَيُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ وَاحِدٌ مَثَلًا امْتَنَعَ حَتَّى تُسْقَى أَرْضُ السَّابِقِ إحْيَاؤُهَا، سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ تَعَدَّدَتْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ أَرَاضِيه فِي ضَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ ضِيَعٍ، نَعَمْ لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ أَرَاضِي وَاحِدٍ أَرْضٌ لِغَيْرِهِ وَأَرَادَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَنْ يُؤْثِرَ ذَلِكَ الْحَادِثَ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحِقُّهُ أَرْضُهُ مِنْ الشُّرْبِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ سَابِقِ إذْنٍ فَيُقَدَّمُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْآذِنِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْآذِنُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِإِذْنِ بَعْضِهِمْ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ السَّقْيِ فَقَطْ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْيَاءِ فَلَا يَكْفِي إذْنُ بَعْضِهِمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ جَمِيعِهِمْ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَلِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إذْنِهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ بَعْدَ إذْنِهِمْ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَذِنُوا كُلُّهُمْ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ أَثَّرَ رُجُوعُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْعِ مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ الْمُحْيِي لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْعِ مِنْ السَّقْيِ إلَّا فِيمَا يَخُصُّهُ فَقَطْ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، نَعَمْ يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيمَا إذَا رَجَعُوا عَنْ إذْنِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَا وَعَمَّرَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي رُجُوعِ الْمُعِيرِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَحْرُمُ الْمُرُورُ فِي سُوقِ الصَّاغَةِ؟
(فَأَجَابَ) نَعَمْ يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا وَالْكَلَامُ فِي الْمُرُورِ حَالَ الْمُعَامَلَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالرِّبَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ الْحُرْمَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: يَحْرُمُ الْجُلُوسُ مَعَ الْفُسَّاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرُورَ عَلَى الْمُتَبَايِعِينَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إقْرَارٌ لَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ الْمُرُورُ أَيَّامَ الزِّينَةِ، وَمَلْحَظُهُ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْرِيرِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِمَّا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ الصَّاغَةِ مَثَلٌ وَإِلَّا فَمَحِلُّ كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَذَلِكَ.
(وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي بِئْرٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ أَقْوَامٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمٌ مَعْلُومٌ وَعَلَيْهَا أَرْضٌ مُرْتَفِعَةٌ وَمُنْخَفِضَةٌ مَثَلًا فَالْمُرْتَفِعَةُ لَهَا رَفِيعٌ يُسَاقُ مِنْ عَلَيْهِ الْأَرَاضِي الْمُرْتَفِعَةُ، وَالْمُنْخَفِضَةُ لَهَا أَيْضًا رَفِيعٌ يُسَاقُ مِنْ عَلَيْهِ وَتُرَابُ الرَّفِيعَيْنِ مَعًا مِلْكٌ لِزَيْدٍ وَلِبَاقِي الشُّرَكَاءِ الْمُرُورُ بِالْمَاءِ إلَى أَرَاضِيِهِمْ مِنْ تُرَابِ زَيْدٍ فَانْهَدَمَ الرَّفِيعُ الْأَعْلَى الَّذِي يُسَاقُ مِنْ عَلَيْهِ الْأَرَاضِي الْمُرْتَفِعَةُ وَهِيَ خَاصَّةُ زَيْدٍ أَعْنِي الْأَرَاضِيَ الْمُرْتَفِعَةَ فَعَجَزَ زَيْدٌ عَنْ عِمَارَتِهِ وَهُوَ الْمَالِكُ لِلتُّرَابِ الْمَذْكُورِ فَأَرَادَ أَنْ يَمْضِيَ بِمَائِهِ مِنْ الْبِئْرِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ مَمَرِّ الشُّرَكَاءِ إلَى أَرْضِهِ الْمُرْتَفِعَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يُوَافِقُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرَرٌ عَلَى شُرَكَائِهِ أَوْ لِلشُّرَكَاءِ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَعَمْ لِزَيْدٍ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ إلَى أَرْضِهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ مِنْ جِهَاتِ مِلْكِهِ الْخَاصَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَةِ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، بَلْ وَلَا إجْبَارُهُ عَلَى عِمَارَةِ الْمَمَرِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ فِي أَرْضِهِ فَإِنْ أَرَادُوا عِمَارَتَهُ مِنْ مَالِهِمْ حَتَّى يَجْرِيَ الْمَاءُ إلَى أَرَاضِيهِمْ لَمْ يَكُنْ لِزَيْدٍ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلْتُ) عَنْ أَرْضٍ لَهَا شُرْبٌ مِنْ أَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَرَادَ صَاحِبُهَا الِاقْتِصَارَ عَلَى سَقْيِهَا مِنْ بَعْضِهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَرْكِهِ بَعْضَ حَقِّهِ أَوْ لَا لِحُصُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَسْقِيِّ مِنْهُ؟ فَأَجَبْت الْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِعَادَةِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا اطَّرَدَتْ بِشُرْبِهَا مِنْ أَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَالِكِهَا الِاقْتِصَارُ بِشُرْبِهَا جَمِيعِهَا عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْأَرَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اطَّرَدَ فِيهَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِقَدْرِ تِلْكَ الْحِصَصِ الَّتِي تَخُصُّهَا مِنْ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَرَاضِي فَإِذَا أَرَادَ مَالِكُهَا أَنْ يَسْقِيَهَا كُلَّهَا مِنْ أَحَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute