للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ تِلْكَ الْبَلَدِ بِاسْتِئْذَانِ حَاكِمِهَا عِنْدَ الْجُلُوسِ لِذَلِكَ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ لِذَلِكَ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِاسْتِئْذَانِهِ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ الْحَاكِمُ لَهُ بِالْمَنْعِ، أَمَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ الْوَعْظِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ نَهْيِهِ امْتِثَالًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَئِمَّتُنَا: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ أَوْ يَنْهَى عَنْهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَمْنُوعِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ الْمَانِعُ لَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ تَأَهَّلَ لِوَعْظٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ لِيَرُدَّ بِهِ شَارِدَهُمْ وَيَسْتَتِيبَ بِصَوَاعِقِ تَخْوِيفِهِمْ عَاصِيَهُمْ، وَمَتَى فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ لِحَظِّ نَفْسِهِ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَقْتِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَكَانَ خَصْمًا لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّضَ مَنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ عَلَى فِعْلِهِ تَحْرِيضًا شَدِيدًا أَكِيدًا وَنَهَى عَنْ السَّعْيِ فِي تَعْطِيلِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ نَهْيًا بَلِيغًا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ بِرْكَةٍ فِي مَسْجِدٍ يَتَحَصَّلُ إلَيْهَا مَاءٌ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ هَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ مَائِهَا إلَى الْبُيُوتِ لِلطَّهُورِ أَوْ غَيْرِهِ؟

(فَأَجَابَ) : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْبِرْكَةِ شَيْئًا لَا لِطَهُورٍ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ صَارَ مُخْتَصًّا بِمَاءِ تِلْكَ الْبِرْكَةِ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لَهُ أَوْ وَقْفٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِمَائِهَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ مِنْهَا وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ وَلَا صَرْفُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْآكِلِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَوْجَهِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحِلِّ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبَّلَ أَهْلُهُ بِذَلِكَ؟ مَحِلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) هَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا فِي طَرِيقِ السَّيْلِ يَزْرَعُهُ وَيَسْقِي بِهِ قَبْلَ مَنْ لَهُمْ أَمْلَاكٌ تَسْقِي بِالسَّيْلِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ إحْدَاثُ الْإِحْيَاءِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَ مَنْ لَهُ الْأَمْلَاكُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى إحْيَائِهِ الْحَادِثِ أَوْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ يَشْرَبُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى هَلْ الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى الْمُتَقَدِّمُ مِلْكُهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الْحَادِثِ أَمْ الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى الْأَقْرَبُ إلَى مَجْرَى السَّيْلِ؟ وَإِنْ كَانَ إحْيَاؤُهُ حَادِثًا فَإِنْ قُلْتُمْ: الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى هُوَ السَّابِقُ مِلْكُهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الْحَادِثِ فَهَلْ لِلْمُلَّاكِ الْأَقْدَمِينَ مَنْعُ الْمُحْيِي الْحَادِثِ مِنْ التَّقَدُّمِ بِالسَّقْيِ أَمْ لَا؟

وَإِذَا قُلْتُمْ: لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ مَنْعُ بَعْضِ الْمُلَّاكِ كَافٍ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْجَمِيعِ أَمْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمَانِعِ فَقَطْ؟ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّقَدُّمِ بِالسَّقْيِ بَيْنَ مَنْعِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَوْ إذْنِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَوْ بِسُكُوتِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا تَقَدَّمَ بِالسَّقْيِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَمَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ هَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ هُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا أَمْ لَا؟ وَهَلْ مَنْعُهُ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الضَّيْعَةِ الَّتِي أَحْيَا فَوْقَهُمْ أَمْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ يَشْرَبُ بِالسَّيْلِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ فِي ضَيْعَةٍ أُخْرَى قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ؟ وَهَلْ لِمَنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فِي الضَّيْعَةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِحْيَاءُ فَوْقَهَا وَمِلْكٌ سَابِقٌ بِضَيْعَةٍ أُخْرَى تَشْرَبُ بِالسَّيْلِ الْمَذْكُورِ مَنْعُهُ مِنْ التَّقَدُّمِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ الَّذِي فِي الضَّيْعَةِ الْأُخْرَى قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) : أَصْحَابُ الْأَرَاضِي الَّتِي تُسْقَى بِالسَّيْلِ يَمْلِكُونَ مَرَافِقَهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَرَافِقِ مَمَرُّ ذَلِكَ السَّيْلِ الْمُسْتَقِرُّ لَهُ فَلِكُلٍّ مِنْ مُلَّاكِ تِلْكَ الْأَرَاضِي الْمَنْعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَمَرِّ مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ الْإِحْيَاءُ خَارِجًا عَنْ ذَلِكَ الْمَمَرِّ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ سَقْيَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَمَرِّ الْمُسْتَحَقِّ لِأُولَئِكَ فَلَهُمْ حِينَئِذٍ مَنْعُهُ مِنْ نَفْسِ الْإِحْيَاءِ إذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ بِهِ قَالَ الشَّيْخَانِ: لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا، وَالْمَاءُ أَعْظَمُ مَرَافِقِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِحْيَاءُ خَارِجًا عَنْ الْمَمَرِّ وَلَمْ يُرِدْ الْمُحْيِي سَقْيَ مَا أَحْيَاهُ مِنْهُ أَوْ أَرَادَهُ وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى أَرْبَابِ تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّقْيَ مِنْ ذَلِكَ السَّيْلِ الْمُسْتَحَقِّ لِتِلْكَ الْأَرَاضِي إلَّا بَعْدَ أَنْ تَشْرَبَ جَمِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>