بَلْ هُوَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَيَحِلُّ لَهُمْ تَنَاوُلُ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُرَاضَاةِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَكَذَا مَا يَأْخُذُهُ الْمُقْطَعُونَ مِنْ الْفَلَّاحِينَ وَالْمُزَارِعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَسَلِ وَالدَّجَاجِ فَهُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ اهـ.
وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ: هَذِهِ الْإِقْطَاعَاتُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَمْ أَجِدْ لَهَا ذِكْرًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ وَجَعْلِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عُشْرٍ، وَخَرَاجٍ لَيْسَ هُوَ هَذَا الْإِقْطَاعَ الْمَعْرُوفَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا هُوَ إقْطَاعُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَيْ: أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَأَمَّا إقْطَاعُ الْعُشْرِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ لِأَصْنَافٍ يَصِيرُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهَا؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِشُرُوطٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا تَجِبُ قَالَ: وَأَمَّا الْخَرَاجُ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُ إقْطَاعِهِ بِاخْتِلَافِ حَالِ مُقْطَعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ.
وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ رِزْقٌ مَفْرُوضٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْطَعُوهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقْطَعُوا مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ نَفْلِ أَهْلِ الْفَيْءِ لَا مِنْ فَرِيضَتِهِ كَمَا يُعْطَوْنَ مِنْ غَلَّاتِ الْمَصَالِحِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونُوا مِنْ مُرْتَزِقَةِ أَهْل الْفَيْء وَفَرِيضَة الدِّيوَان وَهُمْ الْجَيْشُ فَهُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِجِوَارِ الْإِقْطَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَرْزَاقًا مُقَدَّرَةً تُصْرَفُ إلَيْهِمْ مَصْرِفَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهَا أَعْوَاضٌ عَمَّا أَرَصَدُوا نُفُوسَهُمْ لَهُ مِنْ حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحُرَمِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَقْسَامِ وَالشُّرُوطِ يَجْرِي فِي إقْطَاعَاتِ هَذَا الزَّمَانِ، فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَخْلُو إقْطَاعُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدِهَا أَنْ يُقَدِّرَ سِنِينَ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ إذَا رُوعِيَ فِيهِ كَوْنُ رِزْقِ الْمُقْطَعِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ عِنْدَ بَاذِلِ الْإِقْطَاعِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ.
وَكَوْنُ قَدْرِ الْخَرَاجِ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُقْطَعِ وَالْبَاذِلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُقْطِعَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِهَذَا الْإِقْطَاعِ عَنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ إلَى الْأَمْلَاك الْمَوْرُوثَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا اجْتَبَاهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ بَيْنَ أَهْلِ الْخَرَاجِ يَقْبِضُهُ وَيُحَاسَبُ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ رِزْقِهِ، فَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْبَاقِي، وَأَظْهَرَ لَهُ السُّلْطَانُ فَسَادَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ وَهُمْ مِنْ الدَّفْعِ، فَإِنْ دَفَعُوا بَعْدَ إظْهَارِ ذَلِكَ لَهُمْ لَمْ يَبْرَءُوا لَهُمْ، الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يُقْطِعَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ إذَا قِيلَ: إنَّ حُدُوثَ زَمَانَتِهِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ رِزْقِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
حَاصِلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا تَقَرَّرَ عُدْنَا إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ: كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِقْطَاعِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إجَارَتِهِ فَرْعُ صِحَّتِهِ، وَقَدْ مَرَّ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، وَمَا نَقَلَهُ فِيهِ مِنْ الصِّحَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ فَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَقَدْ كَانَ التَّقِيُّ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ يُفْتِي بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، لَكِنْ إذَا خَرَجَ الْإِقْطَاعُ عَنْهُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْفَزَارِيّ، أَمَّا تَرَدُّدُهُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُقْطَعِ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَا فَنَقُولُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ لِأَنَّهَا أَعْوَاضٌ عَمَّا أَرْصَدُوا نُفُوسَهُمْ لَهُ إلَخْ فَهِيَ عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ فَمَلَكُهَا كَالْأَجِيرِ، وَلِقَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ، فَاللَّامُ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ أَيْ: بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْفَزَارِيّ كَيْفَ شَبَّهَهَا بِالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ عِوَضًا، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا قِيَاسُ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ أَرْضِ الْإِقْطَاعِ لِكَوْنِهِ بَذَلَ فِي مُقَابَلَتِهَا مَا مَرَّ كَمَا أَنَّ الزَّوْجَةَ بَذَلَتْ فِي مُقَابَلَةِ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ عِوَضًا وَهُوَ كَوْنُهَا أَرْصَدَتْ نَفْسَهَا لِتُمَتِّعَ الزَّوْجَ، وَقِيَاسُ إجَارَةِ الْإِقْطَاعِ عَلَى إجَارَةِ الْوَقْفِ صَحِيحٌ أَيْضًا.
قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ أَيْ: أَنَّهُ يُخَمَّسُ، فَأَمَّا عَقَارُهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفًا وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بَلْ يَصِير وَقْفًا بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَقْفٌ عَلَى الْمُرْتَزِقَةِ، وَقَدْ صَارُوا بِتَعْيِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute