وَاسْتَمَرَّ، فَحَيْضُهَا السِّتَّةُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ كَمَا أَنَّ حَيْضَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرْتهَا الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الشَّهْرِ وَتَوْجِيهُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - لِكَوْنِ الْحَيْضِ السِّتَّ الْأَخِيرَةَ بِقُرْبِهَا، وَاتِّصَالُ دَمِهَا غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِسَوْقِ حَاصِلِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ الدَّالَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.
وَهُوَ إذَا انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا، فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَالِ إطْبَاقِ الدَّمِ، وَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ مِثَالُ التَّقَدُّمِ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ، فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ دَمًا وَمَا يَلِيه نَقَاءً وَتَقَطَّعَ دَمُهَا وَهَكَذَا، وَجَازَ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَيْضُهَا أَيَّامَهَا الْقَدِيمَةَ وَمَا قَبْلَهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثَالَ التَّأَخُّرِ فَقَالَ: هَذَا بَيَانُ حَيْضِهَا مَا قَدْرُ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى.
وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَقَدُّمًا أَوْ تَأَخُّرًا، فَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ثُمَّ قَدْ يَتَّفِقُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي بَعْضِ أَدْوَارِ الِاسْتِحَاضَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فِيهِ مِقْدَارُ دَوْرِهَا، فَإِنْ وُجِدْنَ فَاعْلَمْ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا، وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ.
فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالزَّائِدِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ تَعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي حَيْضِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّقَطُّعِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ يَعْتَبِرُ التَّقَدُّمَ عَلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ فَحِينَئِذٍ هُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا السِّتَّةُ مِنْ يَوْمِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالثَّانِي فِي ابْتِدَاءِ حَيْضِهَا الثَّانِي إذَا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ مُتَقَطِّعًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ حُكْمَهُ أَنَّ التَّقَطُّعَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ: أَوْ السِّتُّ الْأَخِيرَةُ وَقَوْلُهُ: أَوْ آخِرُ الدَّمِ الْأَوَّلِ. .. إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْتُمْ: السِّتُّ الْأَخِيرَةُ وَمَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَمَا عَرَفْت قَاعِدَةَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَاعِدَةَ ذَلِكَ لَيْسَتْ فِي ابْتِدَاءِ التَّقَطُّعِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَعْقُبُهُ وَالْحَيْضَةِ الَّتِي تَعْقُبُ هَذَا الطُّهْرَ فَاتَّضَحَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ جَمِيعُ مَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تُعَوِّلْ عَلَى سِوَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ ذَاتَ الْقُرْءِ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَا
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْبَارِزِيِّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الَّذِينَ هُمْ أَجَلُّ مِنْهُ قَدْرًا، وَأَوْسَعُ مِنْهُ عِلْمًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ بِخِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ، فَالصَّوَابُ لِمَنْ أَلْجَأَتْهَا الضَّرُورَةُ أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى أَهْلِ مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ كَمَالِكٍ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتُقَلِّدُ مَنْ تَرَى لَهَا فُسْحَةً عِنْدَهُ فَإِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، لَكِنْ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْتِزَامِ مَا قَالُوهُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجًا وَمَخْرَجًا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ - عَمَّا قَالَهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ مَا لَفْظُهُ (وَتَقْتَصِرُ أَعْنِي الْمُتَحَيِّرَةَ فِي أَفْعَالِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ، هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَمُشْكِلٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَلْ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ عَدَمُ جَوَازِ النَّافِلَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، نَعَمْ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْعُبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ التَّثْلِيثِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ