للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِهِ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ وَفُرُوعِهِمْ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مُرِيدًا بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفُرُوعَ دَاعِيًا أَيَّ دَاعٍ إلَى هَذَا التَّجَوُّزِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ وَزِيَادَةِ الْبَيَانِ اللَّذَيْنِ اُدُّعِيَا ازْدَادَ وُضُوحًا لَكِنَّا لَا نُعَوِّلُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ مَغْزَاهُ وَإِيضَاحِ مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَقَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ كَانَ يَتَأَتَّى إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّا لَا نَشْتَرِطُ فِي الدَّاعِي الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُتَجَوِّزُ انْحِصَارَ الْأَمْرِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَإِذَا كَانُوا فِي الضَّرُورَاتِ الشِّعْرِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ فَأَوْلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ لَا يُبِيحُهَا إلَّا الِاضْطِرَارُ إلَيْهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجْعَلُونَ مِنْهَا مَا يَقَعُ فِي نَحْوِ الشِّعْرِ، وَإِنْ سَهُلَ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَأَمَّا الدَّاعِي فَهُوَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُخْرِجَ ذِكْرَهُمْ الْمُتَجَوِّزَ عَنْ كَوْنِهِ عَابِثًا، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْعُدُولِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَمْكَنَ وُجُودُ سَبَبٍ آخَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الدَّاعِيَ الِاخْتِصَارُ أَوْ زِيَادَةُ الْبَيَانِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى مِمَّا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْهُ، عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا فَسَادَ الدَّاعِي لَمْ يَضُرَّنَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اشْتِرَاطِهِمْ الدَّاعِيَ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمُتَجَوِّزُ عَنْ الْعَبَثِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي كَوْنِهِ دَاعِيًا صَحِيحًا بِاعْتِقَادِ الْمُتَجَوِّزِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُودَ الدَّاعِي خَارِجٌ عَنْ الْعَبَثِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ غَيْرُهُ فَسَادَ ذَلِكَ الدَّاعِي.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْعَلَاقَةِ وَالْقَرِينَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا لِلسَّامِعِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْمُتَجَوِّزِ إفَادَةُ غَيْرِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُوجَدُ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ رَابِطٌ بَيْنَ الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَالْمَعْدُولِ إلَيْهِ وَقَرِينَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْ دَالَّةٌ عَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ جَمْعَهُمَا، فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالسَّامِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا ظَاهِرَيْنِ لَهُ بِحَيْثُ يَسْتَفِيدُ بِهِمَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ، وَأَمَّا الدَّاعِي إلَى التَّجَوُّزِ فَهُوَ لَا يَرْتَبِطُ بِالسَّامِعِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَرْتَبِطُ بِالْمُتَجَوَّزِ حَتَّى يَصُونَ قَوْلَهُ عَنْ الْعَبَثِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ صِحَّةُ ذَلِكَ الدَّاعِي عِنْدَ الْمُتَجَوِّزِ لَا عِنْدَ السَّامِعِ، إذْ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْبَحْثِ عَنْهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مَعَ خَفَائِهِ وَنَفَاسَتِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَأَنَّى لَهُ بِالْقَرَائِنِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا اسْتِبْعَادَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُدُودِهَا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ فَرَضْنَا الظَّفَرَ بِالدَّاعِي إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ بَانَ وُجُودُهُ وَاتَّضَحَ، فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فَرْضِ وُجُودِهِ وَقَوْلُهُ: بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ ثُمَّ فَسَرَّهَا بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْعَلَاقَةُ، قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: هَذَا مَا قَدَّمْته تَبَعًا لِلْأَئِمَّةِ مِنْ مُغَايَرَةِ الْعَلَاقَةِ لِلْقَرِينَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَجَوَّزَ بِإِطْلَاقِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنَى الْعَلَاقَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لِتَعْبِيرِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ وَبِقَوْلِهِ: أَنْ يُصَحِّحَ، وَالْمُصَحِّحُ لِلتَّجَوُّزِ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْعَلَاقَةِ لَا الْقَرِينَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَتْ الْعَلَاقَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا انْحَلَّ الِاعْتِرَاضُ إذْ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَأَوْلَادِهِ اشْتِرَاكًا فِي شُمُولِ نِعْمَةِ الْمُعْتِقِ لَهُمَا، فَصَحَّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، أَوْ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ، أَوْ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِمَا مَعْنَى الْقَرِينَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَحِينَئِذٍ انْحَلَّ الِاعْتِرَاضُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ وُجُودُ الْقَرِينَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا بِمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وُجُودَ الْعَلَاقَةِ اتَّضَحَ مُدَّعَانَا، وَلَمْ يَبْقَ مَسَاغٌ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُرِيدَ الْبِنَاءَ عَلَى مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَزَعَمْت أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، أَوْ عَلَى مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَعَمْت أَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى التَّجَوُّزِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَتِيقِ مُبَاشَرَةً وَالْعَتِيقِ سِرَايَةً فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرَائِنَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي كَلَامِهِ كُلٌّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي مَنْ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ وَمَنْ سَرَى إلَيْهِمْ، وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى حَالِهِ مِنْ مُبَادَرَةِ الذِّهْنِ إلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ، وَعَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ فِي فَهْمِهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَيْضًا.

وَكُلٌّ مِنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>