شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى وُجُودِ أُصُولِهِمْ لَا شَرْعًا وَلَا حِسًّا، خِلَافًا لِمَا نَظَرَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَابِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُنْظَرُ إلَيْهِ أَنَّ الْفُرُوعَ يُسَمَّوْنَ عُتَقَاءَ مَجَازًا وَأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ بِمُقْتَضَى الْعَلَاقَةِ وَالْقَرِينَةِ السَّابِقَتَيْنِ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي قَوْلِهِ، إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ، وَإِذَا كَانَ الْفُرُوعُ دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَوْلَدَ بَعْضُ الْعُتَقَاءِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْكُلُّ إلَّا فُرُوعَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ مَنَعُوا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَمْ تُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعُتَقَاءِ مَجَازًا خَمْسُونَ فَقَطْ، بَلْ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ، فَظَهَرَ أَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ لِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَصْلِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَسْمِيَةِ الْفُرُوعِ عُتَقَاءَ وَدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ.
وَقَوْلُهُ: قُلْنَا الْوَاقِفُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ النَّظَرَ إلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَعْقُولَ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ قَائِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ مُرَجِّحٌ لِإِرَادَةِ الْوَاقِفِ بِلَفْظِ الْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ فُرُوعَهُمْ، لَكَانَ لَهُ بَعْضُ إيضَاحٍ وَآلَ إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا هُوَ لِتَسْمِيَةِ الْوَاقِفِ الْفُرُوعَ عُتَقَاءَ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُسْتَرَابُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَتَغْلِيطُهُ عَلَى مَنْ خَالَطَهُ بِمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَذْهَبٍ أَعْرَفُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا يَسَعُ غَيْرَهُمْ أَنْ يُشَنِّعَ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُطَالِعَ كُتُبَ فُرُوعِهِمْ وَفَتَاوَى أَئِمَّتِهِمْ، فَإِذَا أَحَاطَ بِذَلِكَ سَاغَ لَهُ أَنْ يُشَنِّعَ عَلَى مَنْ خَالَفَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ، كَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِكَلَامِ أَئِمَّتِهِمْ وَذِكْرِ نُصُوصِهِمْ مَعَ بَيَانِ أَنَّهُمْ خَالَفُوهَا، بَلْ وَقَعَ لَهُ مَعَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ نَقَلَ فِيهَا كَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ سَفَّهَ جَمِيعَ مَا قَالَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَبَيَّنَ سَبَبَ وَهْمِهِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حَتَّى فَهِمَ مِنْهُ غَيْرَ الْمُرَادِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَسَاقَ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ الظَّاهِرِ مِنْهُ سَبَبُ الْوَهْمِ، وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي فَهْمِهِ، وَبَيَّنَّ أَيْضًا سَبَبَ وَهْمِهِ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ ثُمَّ سَاقَ نُصُوصَهُمْ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ، وَكَذَا فَعَلَ مَعَ مَنْ بَقِيَ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَمَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْمُخَالِفِينَ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِكَلَامِ أَئِمَّتِهِمْ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْخَامِسِ، فَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ فُرُوعِ مَذْهَبِهِ، إذْ لَوْ أَمْعَنَ ذَلِكَ لَمْ يَفُتْهُ مَا قَدَّمْته عَنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ الَّتِي بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهَا.
عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْعُتَقَاءَ مُشْتَرَكًا كَمَا بَسَطْت بَيَانَهُ فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ لَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ مَا مَرَّ مِنْ قِيَامِ الْفُرُوعِ مَقَامَ آبَائِهِمْ، وَلَمْ يُورِدْ شَيْئًا مِمَّا أَوْرَدَهُ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابُ عَمَّا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ تَمْهِيدُ مُقَدِّمَةٍ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ لَكِنَّ مَا بَرْهَنْت عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَاعٍ لِلتَّجَوُّزِ لَا يُرَدُّ عَلَى مُخَالِفِيهِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ تَدْقِيقَاتِ النُّحَاةِ وَغَيْرِهِمْ لَا تُدَارُ عَلَيْهَا كُتُبُ الْأَوْقَافِ، وَلِمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ فِي الْمَجَازِ الْوَاقِعِ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ لَا يَبْحَثُونَ عَنْ الدَّاعِي إلَيْهِ أَبَدًا وَإِنَّمَا يَبْحَثُونَ عَنْ وُجُودِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وُجِدَتْ أَدَارُوا الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا وَمَرَّ بَيَانُ سَبَبِ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ الدَّاعِي وَالِاكْتِفَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَرِينَةِ فَحَسْبُ فَرَاجِعْهُ، عَلَى أَنَّ هُنَا دَاعِيًا ظَاهِرًا وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ بِتَجَوُّزِهِ بِتَسْمِيَةِ الْفُرُوعِ عُتَقَاءَ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى أَخْذِ الْفُرُوعِ حِصَصَ أُصُولِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ تَشْمَلْهُمْ نِعْمَةُ عِتْقِهِ مُبَاشَرَةً فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا سَبَبُ إلْحَاقِك الْفُرُوعَ بِأُصُولِهِمْ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْك؟ فَقَالَ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نِعْمَةَ عِتْقِي شَمِلَتْ الْجَمِيعَ، فَكَمَا أَوْجَبَ عَلَيَّ الشَّرْعُ تَحَمُّلَ الدِّيَةِ عَنْهُمْ وَأَوْجَبَ لِي أَنِّي أَرِثُهُمْ، نَدَبَنِي إلَى بِرِّهِمْ وَإِلْحَاقِهِمْ بِآبَائِهِمْ فِي وُصُولِ بِرِّي لِجَمِيعِهِمْ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَسْمِيَتِهِ آبَاءَهُمْ عُتَقَاءَ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُتَقَاءِ مُرِيدًا بِهِمْ حَقِيقَتَهُمْ وَبِفُرُوعِهِمْ، لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ، فَلِذَا عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا إلَى مَا يَشْمَلُ مَجَازَهَا بَيَانًا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْعَائِدَةِ الْبَاهِرَةِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَّضِحُ بِهِ أَنَّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute