للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّاهِدَةِ بِالنَّقْضِ عَمَلًا بِالثَّانِيَةِ، وَنُقِضَ الْحُكْمُ حَتَّى عِنْدَ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ فِيهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ: شَرْطُ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهَا الْحِسُّ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ الْحِسُّ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالنَّقْضِ، فَتَكُونُ شَهَادَتُهَا مُلْغَاةً وَالْحُكْمُ الْمُسْتَنِدُ إلَيْهَا لَغْوٌ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي فَتَاوِيهِ فِي مُنَازَعَتِهِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَأَيْضًا بَيِّنَةُ الْقِيمَةِ تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ، وَالتَّقْوِيمُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ وَيُفْرَضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَشْهَدَ الْآنَ أَنَّ قِيمَتَهُ الْآنَ كَذَا فَهَذِهِ لَا تُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ السَّابِقَةَ يَوْمَ الْبِيَعِ بِلَا إشْكَالٍ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَشْهَدَ الْآنَ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِيَعِ كَذَا فَهَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُسْمَعْ وَعَلَّلَهُ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا تُقَوَّمَ الْآنَ لَكِنْ تَشْهَدُ أَنَّ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِنْدَ النَّاسِ كَذَا

فَإِنَّ الْأَسْعَارَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ عُمُومِ النَّاسِ تَنْضَبِطُ فِي أَوْقَاتِهَا، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْوِيمًا بَلْ شَهَادَةً بِأَمْرٍ خَارِجٍ فَهَذِهِ تُسْمَعُ وَلَيْسَ شَهَادَةَ قِيمَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَأَمَّا الْأَمْلَاكُ فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا هَذَا، إذَا عَرَفْت هَذَا فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ شَهِدَتْ بِالْحَالَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَلَا أَثَرَ لَهَا وَشَهَادَتُهَا بِالْحَالَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْمِلْك إمَّا مُمْتَنِعٌ أَوْ بَعِيدٌ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بَاقِيَةً عَلَى صِفَاتِهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَطَعَ أَهْلُ الْعَادَةِ بِأَنَّ مَا بِيعَتْ أَوْ أُجِّرَتْ بِهِ لَيْسَ ثَمَنَ أَوْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا عَادَةً سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ وَنُقِضَ الْحُكْمُ الْمُسْتَنِدُ لِلْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالنَّقْضِ، لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهَا حِينَئِذٍ، وَوَجْهُ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَ تَصَوُّرَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي صُورَتِنَا.

وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ صُورَتَهُ لَيْسَ فِيهَا الْقَطْعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ فِي صُورَتِنَا فَنَتَجَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي صُورَتِنَا وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِابْنِ الصَّلَاحِ عَلَى النَّقْضِ فِيهَا، فَإِنْ قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا نَقْضُ الْحُكْمِ قُلْت: مَمْنُوعٌ إذْ لَا فَائِدَةَ لِسَمَاعِهَا إلَّا نَقْضُهُ أَيْ لِتُبَيِّنَ أَنَّ لَهُ مُعَارِضًا يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ لَغْوًا، وَمِنْهَا قَوْلُهُ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَحْكُمْ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ مَعَ الشَّكِّ وَكَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ مَعَ الشَّكِّ، وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ فَتَاوِيهِ بِنَحْوِ هَذَا مِنْ أَنَّ سَبَبَ مُخَالَفَتِهِ لِابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ غَايَتُهَا أَنَّهَا أَوْرَثَتْ شَكًّا فِيمَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى

فَكَيْفَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ؟ فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَهُ هَذَا وَأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَ ابْنَ الصَّلَاحِ، لِذَلِكَ تَعْلَمُ بِلَا مِرْيَةٍ أَنَّهُ قَائِلٌ: بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ إذَا أَفَادَتْ الْقَطْعَ بِكَذِبِ الْأُولَى كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْتهَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لَمْ يُنْقَضْ بِشَكٍّ بَلْ بِيَقِينٍ عَلَى أَنَّ الْأَئِمَّةَ ذَكَرُوا النَّقْضَ بِالظَّنِّ وَبِهِ يَقْوَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَيَضْعُفُ مَا عَلَّلَ بِهِ السُّبْكِيّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بَانَا فَاسِقَيْنِ عِنْد الْحُكْمِ نُقِضَ عَلَى الْأَصَحِّ

وَقِيلَ: لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْبَيِّنَةِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا فَيَكُونُ الْفِسْقُ الثَّابِتُ بِهَا مَظْنُونًا وَالْفِسْقُ الْمَظْنُونُ لَا نَقْضَ بِهِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْ أَنَّ مَا عُلِّلَ بِهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ هُوَ عَيْنُ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ فِي مُخَالَفَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَتَجِدْ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ النَّقْضِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصَحِّ هُنَا الْقَائِلُ بِالنَّقْضِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِمَا عُلِّلَ بِهِ الضَّعِيفُ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ بِهِ إلَّا أَنَّهُ بَانَ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ مُعَارِضٍ فَأُلْغِيَ، وَفِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْته تَأْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ ابْنِ الصَّلَاحِ النَّقْضَ أَيْ إلَّا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلًا أَعْنِي الَّتِي قُطِعَ فِيهَا بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ هُوَ مَا ارْتَضَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ مَعَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ دَالٌّ عَلَيْهِ أَيْضًا.

وَقَدْ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ.

سُئِلَ عَمَّا لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى إنْسَانٍ بِمَالٍ فَأَنْكَرَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِالْمَالِ ثُمَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِوُصُولِ هَذَا الْمَالِ إلَيْهِ قَالَ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ

لِأَنَّ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الْبَرَاءَةِ لَمَّا كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي قَبْلَ الْقَضَاءِ فَالْقَضَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>