للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ مُتَّحِدٌ، وَالْمَغْرُومُ عَنْهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ فِيهَا جِهَتَانِ مُتَمَايِزَتَانِ، وَالْمُسْتَحَقَّ عَيْنَانِ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّسَاوِي فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لِلِاحْتِيَاطِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا قَرَّرْته فِي قِيَاسِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي مَا يَقْتَضِيه الْآخَرُ لَا أَنَّهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَعُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِجِهَتَيْنِ أَوْ لِمُعَيَّنَيْنِ أَوْ لِجِهَاتٍ أَوْ لِمُعَيَّنِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ الْوَصِيِّ بِتَفْرِقَةِ الْكَفَّارَةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ مَثَلًا وَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا أَوْصَى لَهُ بِتَفْرِقَتِهِ سَوَاءٌ الْكَفَّارَةُ، وَغَيْرُهَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى بَيْعِهِ يَكُونُ مُبَايِعًا، وَهُوَ لَا يَكُونُ مُبَايِعًا إلَّا لِغَيْرِهِ وَكَذَا مَعْنَى يَضَعُهُ يُعْطِيه لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَارِثًا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا كَانَ يَجُوزُ لِلْمَيِّتِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُعْطِيَهُ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ صَيَّرَهُ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ نَظَرٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَلَا يُودِعُهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلْمَيِّتِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ لِلْمَيِّتِ أَنْ يَسْلُكَ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ الَّتِي يُرْجَى أَنْ تُقَرِّبَهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ، وَجَلَّ قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَاخْتَارَ لِلْمُوصَى إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَةِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْطِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ إعْطَاءَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ صِلَةِ الْمَيِّتِ قَرَابَتَهُمْ، وَيَشْتَرِكُونَ بِهِ أَهْل الْحَاجَاتِ فِي حَاجَاتِهِمْ وَقَرَابَته مَا وَصَفْت مِنْ الْقَرَابَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ مَعًا وَلَيْسَ الرَّضَاعُ قَرَابَةً، وَأُحِبُّ لَهُ إنْ كَانَ لَهُ رُضَعَاءُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دُونَ جِيرَانِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ تُقَابِلُ حُرْمَةَ النَّسَبِ.

ثُمَّ أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَ قَرَابَتَهُ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبَ، وَأَقْصَى الْجِوَارِ فِيهَا أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ثُمَّ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِفَقِيرٍ مِمَّنْ يَجِدُ، وَأَشَدُّهُ تَعَفُّفًا، وَانْكِسَارًا وَلَا يُبْقِي فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْئًا يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ اهـ. كَلَامُ الْأُمِّ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ نَفِيسَةٍ فَلِذَا أَحْبَبْت ذِكْرَهُ بِرُمَّتِهِ لِيُسْتَفَادَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ: ضَعْ ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ رَأَيْت أَوْ فِيمَا أَرَاك اللَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ اهـ. وَبِكَلَامِ الْأُمِّ، وَالرَّوْضَةِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فَرِّقْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ مَثَلًا وَهُوَ مِسْكِينٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ بِلَا تَرْجِيحٍ.

فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ لِلْمُوصِي طَرِيقٌ فِي الْأَخْذِ قُلْت: نَعَمْ بِأَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، فَيَأْخُذَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ، وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ، فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ كَانَ وَصِيًّا فَإِنْ قُلْت: لَا يُحْتَاجُ لِعَزْلِهِ نَفْسَهُ بَلْ حَيْثُ فَرَّقَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ جَازَ لَهُ إعْطَاؤُهُ قُلْت: مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ فَعُلِمَ أَنَّ بَقَاءَهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ قَادِحٍ فِيهِ مَانِعٌ لِلْقَاضِي مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَهُ مِنْ الْأَخْذِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَوَاطَأَ شَخْصٌ مَثَلًا وَآخَرُ عَلَى أَنْ يُوصِيَ لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ مَثَلًا وَيَرُدَّهُ عَلَى أَحَدِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ أَوْصَى فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الرَّدِّ فَهَلْ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي مَثَلًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَرُدَّ لَكِنْ قَدْ مَاتَ الْمُتَوَاطِئُ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ مَثَلًا وَخَلَّفَ وَرَثَةً وَقُلْنَا أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْمُوَرِّثِ لَا الْوَارِثِ مَا حُكْمُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُهَا الْمَعْرُوفَةُ، وَمِنْهَا أَنْ يَقْبَلَهَا الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِذَا قَبِلَهَا حِينَئِذٍ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا وَلَا عِبْرَةَ بِمُوَاطَأَتِهِ مَعَ الْمُوصِي عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَحَدِ وَرَثَتِهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَتِهِ لَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَاطَأَ عَلَيْهِ الْمُوصِي جَازَ لَهُ الرَّدُّ إلَى أَحَدِ وَرَثَةِ الْمُوصِي، وَإِلَى وَارِثِ ذَلِكَ الْأَحَدِ لَكِنْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ رَدَدْت ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>