النَّوَوِيِّ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا شُرُوطُهُ، وَتَفَاصِيلُهُ بَلْ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى مَدْرَسَةٍ مَثَلًا أَوْ تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الشُّرُوطِ صَرَفَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهَا اهـ.
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الْأَرْجَحُ فِيهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ لَا أَنَّ فُلَانًا وَقَفَهُ قَالَ: وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَإِنْ شَهِدَ بِهَا مُنْفَرِدَةً لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ اهـ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ اهـ.
وَتَبِعَ الْإِسْنَوِيَّ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فَقَالَ الْأَوْجَهُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ سَوَّوْا بَيْنَ بَابَيْ الْوَقْفِ، وَالْوَصِيَّةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُقَاسَ مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ فَيُقَالُ: إنْ كَانَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ رَجَعَ إلَى وَصِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَإِنْ وُجِدَا، وَاخْتَلَفَا فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَارِثِ أَوْ إلَى الْوَصِيِّ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي عَلَى قِيَاسِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، وَلَا وَصِيٌّ قُسِمَتْ غَلَّةُ النَّخْلَتَيْنِ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدِ، وَالضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ جِسْرٌ فِي وَسَطِ النَّهْرِ يُجْعَلَ لِسَدِّهِ حَتَّى يُسْقَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَرَاضِي، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ السَّابِقُ أَوْ جِهَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِهَاتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ بَعْضٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ بَلْ سَوَّوْا بَيْنَهَا حَذَرًا مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَمَسْأَلَتُنَا نَتَحَقَّقُ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ النَّخْلَتَيْنِ مُسْتَحِقٌّ لِهَذِهِ، وَوَاحِدَةً مُسْتَحِقَّةٌ لِهَذَا فَاسْتِحْقَاقُهَا مُتَيَقَّنٌ، وَإِنَّمَا شَكَكْنَا فِي الْمُعَيَّنِ فَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى التَّسَاوِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا فَوْزُ إحْدَاهُمَا بِزِيَادَةٍ عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ حِصَّةِ الْأُخْرَى أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ الَّتِي فِيهَا احْتِمَالُ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ أَنَّ إحْدَى الْجِهَاتِ فَازَ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ.
فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ تَحَقَّقَ فِيهَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ أَوْ الْجِهَاتِ حَقًّا فِي هَذَا الْوَقْفِ الْمَشْكُوكِ فِي شُرُوطِهِ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي تَعْجِيلِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَتَأَخُّرِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّا نَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ حَقٌّ فِي كُلٍّ مِنْ النَّخْلَتَيْنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا فَيَلْزَمُ عَلَى التَّسَاوِي هُنَا إعْطَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ شَيْئًا لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا فِيهِ بِوَجْهٍ لَا مُتَقَدِّمًا وَلَا مُتَأَخِّرًا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ حَقِّ الْمُتَأَخِّرِ وَهَذَا الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى قُلْت: مُحْتَمَلٌ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ بَعْضَ الْجِهَاتِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ قَدْ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي هَذَا الْوَقْفِ بِأَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ مَشْرُوطًا بِانْقِرَاضِ غَيْرِهِ إلَى ذَهَابِ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَاسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ، وَيَكْفِي فِي الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا يُحْتَمَلُ فِيهِ إعْطَاءُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، وَتَنْقِيصُ حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ وَهَذَا جَامِعٌ صَحِيحٌ يَكْفِي مِثْلُهُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ.
وَأَمَّا تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي السُّؤَالِ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّ مَا يُسْقَى بِنَحْوِ الْمَطَرِ، وَالدُّولَابِ سَوَاءٌ وَاجِبُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا قُسِّطَ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ، وَنَمَائِهِ لَا بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ فَلَوْ كَانَتْ مُدَّتُهُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَسَقَى فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّتَاءِ، وَالرَّبِيعِ مَرَّتَيْنِ بِالْمَطَرِ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنْ الصَّيْفِ ثَلَاثَةً بِالنَّضْحِ، وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَرُبْعُ نِصْفِهِ فَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ أَوْ الْغَالِبَ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ عِنْدَ الْجَهْلِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَقْدِيرِ التَّسَاوِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا حَدَّ لِلنَّقْصِ عَنْ التَّسَاوِي يُرْجَعُ إلَيْهِ فَقَدَّرْنَا التَّسَاوِيَ احْتِيَاطًا وَقِيلَ: الْوَاجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ، وَيُرَدُّ بِمَا ذَكَرْته، وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهَا عَلَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي هَذِهِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحَقِّينَ لَكِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِ حَقِّهِمْ فَقَدَّرْنَا التَّسَاوِيَ احْتِيَاطًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute