بقي نوع آخر من كتب الحديث وهو الموسوعات الحديثية، والمراد بالموسوعة الكتاب الذي يكون شاملًا لجميع أو أهم مسائل ذلك الفن أو ذلك الباب بحيث يغني أو يكاد يغني عن الرجوع إلى مصادره ومراجعه؛ وذلك كله بزعم واضعي تلك الموسوعات، فإنه لا استغناء عن كتب السلف، ولا يصح توحيدها والتلفيق بينها، ولكن يصح بل يحسن طبعها متسلسلة مجتمعة في كتاب واحد، وذلك من أجل تيسير مطالعتها على طلابها.
نبذة أكثر حول كتب المشيخات ومعاجم الشيوخ:
وصَفَ الإمام السَّخاويُّ أُسلوبَ أصحاب المشيخات في روايتهم للمُصَنَّفات قائلًا: وصنيع أصحاب المشيخات في إيرادِ الأحاديثِ المرويَّةِ عن شيوخهم هو مثل صنيع أصحابِ المُستَخْرجات، وهو أن يَعْمَدَ حافظٌ إلى "صحيحِ البُخارِيِّ"، مثلًا، فيورِدَ أحاديثهُ بأسانيدَ لِنَفْسِهِ غير مُلْتَزِمٍ فيها ثِقَة الرُّواة إلى أن يَلْتَقي معهُ في شيخِهِ، أو شيخ شيخه، وهكذا ولو في الصَّحابيِّ، وأصحاب المُسْتَخْرَجاتِ وأكثر المُخَرِّجينَ للمشيخات والمعاجمِ يورِدونَ الحديثَ بأسانيدِهِم، ثُمَّ يُصَرِّحونَ بعدَ انتهاء سياقهِ غالبًا بعزوه إلى البخاريِّ، أو مُسْلِمٍ، أو إليهِما مَعًا، مع اختلافٍ في الألفاظِ وغيرها، يُريدونَ أصلَه.
ولقد سلك المُحَدِّثون في بعض معاجم الشُّيوخِ والمشيخات مسلكًا جديدًا في روايتهم للنُّصوصِ المُتَقِّدّمةِ، أضحى البديل المُناسبَ للمُسْتَخْرَجات، ويرتبط معها بالرَّوابطِ العُضويَّةِ نفسها، وَتَمَثَّلَ هذا المَسْلَك في ابتكار أسلوب العُلُوِّ في الإسناد، وأقسامه المُختلفة، وتتبع الطُّرق المُختلفة للرِّواية الواحدة، وعلى ذلكَ قامت مناهج العديد من المعاجم والمشيخات التي صُنِّفت بعد القرن الخامس. ولكي يأخذ القارئ فكرةً واضحةً عن علم التَّخريجِ، والصِّلة بينَ المُستَخْرَجات، ومعاجم الشُّيوخ والمشيخات، لابد أن نضرب لهُ أُنموذجًا واحدًا يبين لنا الرَّوابط المشتركة بين هذهِ الفنين.