"وبما أن معظم الأحاديث استقرت في دواوين السنة، وأصبحت هذه الدواوين هي المعتمدة في أخذ الأحاديث النبوية وصارت عناية المحدث منصبة على حفظ هذه الدواوين، فلا داعي إذن إلى دراسة أحوال الرجال الذين يشكلون حلقات الإسناد الذي بواسطته يتم نقل هذه المصنفات عن أصحابها، كما لا تبقى حاجة إلى تلك التحفظات الشديدة، والقوانين الصارمة في جرح الرواة وتدليسهم، بل يكفي فيهم معرفة أحقيتهم وأهليتهم لرواية تلك المصنفات، بل يكفي فيهم معرفة أحقيتهم وأهليتهم لرواية تلك المصنفات، إضافة إلى ستر حالهم، وإن لم ينص على توثيقهم".
وقد بين ذلك ابن الصلاح ﵀ بقوله - وهذا نصه:"أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه، فلم يتقيدوا بها في رواياتهم لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم".
"ووجه ذلك: ما قدمناه في أول كتابنا هذا -يعني: مقدمة ابن الصلاح- من كون المقصود المحافظ على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد، والمحاذرة من انقطاع سلسلتها، فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده، وليكتف في أهلية الشيخ بكونه مسلمًا بالغًا، علاقة غير متظاهر بالفسق، وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه".
[كتب الأجزاء وغيرها]
وهذا الوضع السائد في مرحلة ما بعد الرواية، والذي كان من أبرز سماته هو حرص المحدثين على إيجاد صلة بينهم وبين أصحاب الدواوين عن طريق سلاسل من الأسانيد، والتي كانوا يجوبون الأقطار الإسلامية شرقًا وغربًا من أجل جمع وتحصيل أكبر قدر ممكن من هذه الأسانيد والسماعات، ثم يدونونها وفق أساليب خاصة اصطلح على تسميتها بـ "المعجم" أو "الإثبات" أو "المشيخات" أو "الأجزاء" أو "الفهارس" وغيرها.
هذا الوضع الجديد جعل تلك الأسانيد لا تكاد تخلو من وجود خلل فيها من جراء تساهل محدثي هذه المرحلة في توفير شروط الصحة فيها، حيث اكتفوا في رجالها -أي تلك الأسانيد- بستر الحال، ولو لم يعرفوا العدالة والضبط.
والجدير بالذكر أن ما سبق توضيحه من ظروف بروز ظاهرة الاعتماد على الكتب