قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ لِيُضْرَبَ، فَضُرِبَ سَبْعَةَ عَشَرَ سَوْطًا، ثُمَّ أُرْسِلَ، فَتَعَرَّضَ لَهُ خَالِدٌ وَسَكَّنَ مِنْهُ، وَطَيَّبَ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ قَالَ هِلالٌ: رَأَيْتُ بَابًا مِنْ حَدِيدٍ قَدْ أُحْمِيَ عَلَيْهِ ثَلاثَةَ أَيَّامِ الجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ، وَجِيءَ بِخَالِدٍ الْحَدَّادِ، وَعَافِيَةَ الْبَاقِلانِيِّ لِيَمْشِيَا عَلَيْهِ، فَمَشِيَا فَلَمَّا صَارَا عَلَى الْبَابِ انْحَلَّ مِئْزَرُ عَافِيَةَ الْبَاقِلَانِيِّ فَقَبَضَ عَلَى يَدِ خَالِدٍ، وَقَالَ: انْظُرْ حَتَّى تُؤْزَرَ، وَتُريَكَ الجُلْدَ، فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْ تَفْسِير مَا قَالَهُ عَافِيَةُ، فَقَالَ هِلالٌ: هَذِهِ لُغَةٌ لَهُمْ لَيُحَرِّفُونَها، أَرَادَ بِهَا تَجَلُّدَهُمْ وَاقْتِدَارَهُمْ وَشَهَامَتَهُمْ، وَسَقَطَا وَمَاتَا وَقُبِرَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، قُلْتُ لَهُ: مَنْ خَالِدٌ وَعَافِيَةُ هَذَيْنِ؟ قَالَ: هُمَا مِنَ الْفِتْيَانِ. قَالَ هِلالُ: وَرَأَيْتُ مَوْلايَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَكَانَ يَخْضِبُ بِالْحُمْرَةِ، وَكَانَ يَعْتَمُّ بِعَمَامَةٍ طَائِفِيَّةٍ عَدَوْلِيٍّ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ عُمُرَ أَبِيهِ، فَقَالَ: مَاتَ وَسِنُّهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ، وَكَانَ خَدَمَ السَّفَّاح. وَسَأَلْتُهُ عَنْ وِلادَتِهِ، فَقَالَ: فِي سَنَةِ مِائَتَيْنِ وَسَبْعَةٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِ جَدِّهِ فَقَالَ: كَانَ اسْمَهُ شَافِعٌ صَاحِبُ مِطْرَدِ النبي ﷺ وَلِوَائِهِ، وَقَالَ أَبُو نَصْرِ الإِسْمَاعِيليُّ: وَجَدْتُ فِي بَعْضٍ مَا مَرَّ بي أَنَّ خَالِدًا الْحَدَّادَ كَتَبَ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ يَعِظُهُ بِهِمَا فِي أَيَّامٍ مِحْنَتِهِ:
رَيْبُ الزَّمَانِ كَمَا تَرَى يَا أَحْمَدُ … فَإِذَا جَزَعْتَ مِنَ الْأُسُودِ فَمَنْ لَهَا
الصَّبْرُ يَقْطَعُ مَا تَرَى فَاصْبِرْ لَهَا … فَلَعَلَّهَا أَنْ تَنْجَلِي وَلَعَلَّهَا
فَأَجَابَهُ أَحْمَدُ:
صَبَرْتَنِي وَوَعَظْتُنِي فَأَنَا لَهَا … وَسَتَنْجَلِي مَا لا أَقُولُ لَعَلَّها
إِنَّ الَّذِي عَقَدَ الَّذِي انْعَقَدَتْ بِهِ … عُقَدُ المُكَارِهِ فِيكَ يَحْسُنُ حَلُّهَا
٩١٧ - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الحَرِيرِيُّ، نا صَاعِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَاعِدٍ، بِدِمَشْقَ، نا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُضَرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، نا عُلْوَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ حَضْرَمَوْتَ بِوَفَاةِ رسول الله ﷺ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ، يُقَالُ لَهُ جُهَيْلٌ، قَالَ: فَعَمَدَتْ نِسَاءٌ بَغَايَا كُنَّ فِي حَضْرَمَوْتَ، فَخَضَبْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَضَرَبْنَ بِدُفُوفٍ شَمَاتَةً، قَالَ: وَكَتَبَ مَالِكُ بْنُ شَدَّادِ بْنِ ضَيْغَمٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ﵁: أَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رِسَالَةُ، إِنَّ الْبَغَايَا رُمْنَ كُلَّ مَرَامِ أَظْهَرْنَ فِي مَوْتِ النبي ﷺ شَمَاتَةً، وَخَضَبْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِالأَعْلامِ، فَاقْطَعْ حَدِيثَ أَكُفِّهِنَّ بِصَارِمٍ كَالْبَرْقِ يُومِضُ فِي مُتُونِ غَمَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute