للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ فَمَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ؛ لأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَلا بِالرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، إِخْبَارُ الله إِيَّانَا أَنَّهُ سَمِيعٌ، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ، بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤] وَأَنَّ لَهُ يَمِينًا، بِقَوْلِهِ: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا، بِقَوْلِهِ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] وَأَنَّ لَهُ قَدَمًا، بِقَوْلِهِ: "حَتَّى يَضَعَ الرَّبُّ فِيهَا قَدَمَهُ" (١). يَعْنِي: فِي جَهَنَّمَ.

وَأَنَّهُ يَضْحَكُ مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، بِقَوْلِهِ: لِلَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ الله: "أَنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَهْبِطُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا" (٢) يُخْبِرُ رسول الله بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ؛ لِقَوْلِ النبي إِذْ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ" (٣) وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَأَنَّ لَهُ إِصْبَعًا، بِقَوْلِهِ: "مَا مِنْ قَلْبٍ إِلا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ﷿ " (٤) وَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ، وَوَصَفَ بِهَا رَسُولُهُ، لا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ بِالْفِكْرِ، وَالرُّؤْيَةِ، وَلا يَكْفُرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدٌ إِلا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ بِهَا، وَإِنْ خَلَّفَ الْوَارِدُ لِذَلِكَ خَبَرًا يَقُومُ فِي الْفَهْمِ مَقَامَ المُشَاهَدَةِ فِي السَّمَاعِ، وَجَبَتِ الدَّيْنُونَةُ عَلَى سَامِعِهِ بِحَقِيقَتِهِ، وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، كَمَا عَايَنَ وَسَمِعَ مِنْ رسول الله ، وَلِمَنْ ثَبَّتَ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَتَنْفِي التَّشْبِيهَ، كَمَا نَفَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - فَقَالَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] ".


(١) أخرجه البخاري برقم: ٦٩٤٩، ومسلم برقم: ٢٨٤٨، والنسائي في الكبرى برقم: ٧٧٢٥، وأحمد برقم: ١٢٤٠٣، وعبد بن حميد برقم: ١١٨٢، وأبو عوانة برقم: ٤٦٣، وابن حبان برقم: ٢٦٨، ولفظه: "لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول: هل من مزيد، حتى يضع فيها رب العزة قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا آخر فيسكنهم في فضول الجنة".
(٢) لم أقف عليه.
(٣) أخرجه الترمذي حديث رقم: ٢٢٤٥، وقال: حسن صحيح. وأبو يعلى حديث رقم: ٣٠١٧، وأخرجه بنحوه البخاري حديث رقم: ٣١٥٩، ومسلم حديث رقم: ١٦٩، وأبو داود حديث رقم: ٤٧٥٧.
(٤) أخرجه ابن عساكر (٢٦/ ٢٦٩)، وبنحوه البخاري في التاريخ الكبير ٨/ ١٢٦، وأحمد حديث رقم: ١٧٦٦٧، وابن ماجه حديث رقم: ١٩٩، والحاكم حديث رقم: ١٩٢٦، وقال: صحيح على شرط مسلم. والطبراني في الشاميين ترجمة ٥٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>