للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفلان وفلان (١)، نفرٌ سمّاهم بأسمائهم، فانطلق، فدعاهم، فحلفوا بالله واعتذروا إليه))، فأنزل الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا} " (٢).

{غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}: أي: يُوالُون اليهودَ، وهم المغضوبُ عليهم.

{مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ}: كقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} [النساء: ١٤٣]، بل هم منافقون (٣).

{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ}: أنهم ليسوا منافقين.

{وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤)}: أنهم كاذبون منافقون (٤).

{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٥)}.

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ}: الكاذبةَ.

{جُنَّةً}: وِقايةً دونَ دمائهم وأموالِهم.

{فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: عن طاعته والإيمان به.

وقيل: صدُّوا المؤمنين عن سبيل حُكمه من القتل في أمثالهم الكفَرَة (٥).

{فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٦)}.

{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ}: لن تدفع.

{أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١٧)}.

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ}: لله في الآخرة أنهم كانوا مخلصين في الدنيا غير منافقين.

{كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ}: في الدنيا.

وقيل: هو قولُهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣].

{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ}: في الدنيا.

{عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٨)}: وقيل: ليس في القيامة كذبٌ، وأنهم يحلفون أنهم لم يكونوا كفاراً عند أنفسِهم (٦).

الحسن: "في مواطن يدهشون فيكذبون، كما يكذبُ الصبيُّ، ثم يعرفون قُبحَ الكذب فيتركون " (٧) (٨).

وقيل: هو من قوله: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤]، أي: يتكلَّمون بمثل ما كانوا يتكلَّمون في الدنيا (٩).

{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ}: استولى وغلب، من قول العرب: حُذتُ الإبلَ وحزتُها: إذا استولى عليها، ورجلٌ أحوذيٌّ: نافذٌ في الأمور.

والاستحياذُ: الاستيلاءُ، وشذَّ عن القياس؛ لأنهم لا يستعملوه إلاّ بزيادة (١٠).

{فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ}: الإيمانَ به، وقيل: الأمرَ والنهيَ.

{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ}: جنودُه.

{أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٩)}.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠)}: الأسفلين الصاغرين، في الدنيا بالقتل والسبي، وفي الآخرة بالعذاب والنار (١١).

{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ}: قَضَى وحَكَمَ، وقيل: مضى حكمُه، وقيل: أوجب ذلك، وقيل: كتب الله في اللّوح المحفوظ: أن رسلَه غالبون، وأخبر به، فهو كذلك لا محالةَ (١٢).

ويحتمل: أن (١٣) {كَتَبَ اللَّهُ}: بمعنى: أقسم، ولهذا وقع بعده اللام ونون التأكيد (١٤)، وهذا ظاهر.

والمعنى لأغلبنَّ {أَنَا وَرُسُلِي}: وتغلبُ رُسُلِي: بالسيف والحجة (١٥) (١٦).

{إِن اللَّهَ قَوِيٌّ}: لا يمتنعُ عليه ما يُريد.

{عَزِيزٌ}: غالبٌ غيرُ مغلوبٍ.

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ} أي: لا يوادُّون أعداءَ الله، ولو كان ذلك العدوُّ أقربَ الناس إليهم.

ابنُ جُرَيج: " نزلت في أبي بكرٍ، سبَّ أبو قُحَافةَ (١٧) الرسول - صلى الله عليه وسلم - فصكَّه أبو بكرٍ - رضي الله عنه - صكةً شديدةً سقط منها. ثم ذكر ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((أوَ فعلتَه))؟، قال: نعم، قال: ((فلا تعُدْ إليه))، فقال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: والله لو كان السيفُ حاضراً لضربتُه به " (١٨).

وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: أنها نزلت في أبي عبيدةَ بنِ الجرّاح (١٩)، قتل أباه يومَ أُحدٍ، وفي أبي بكرٍ دعا ابنَه يومَ بدرٍ إلى البِراز، فقال: يا رسولَ الله، دعني أكن في الرَّعْلة (٢٠) الأول، فقال: له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((متِّعنا بنفسِكَ، يا أبا بكرٍ (٢١)، أما تعلمُ أنكَ عندي بمنزلة سمعي وبصري))


(١) في (ب) " أنت وفلان، نفرٌ فسماهم ".
(٢) لم أقف عليه في البخاري، ولعله: " وهم مني أو من المؤلِّف "، وأخرجه الحاكم في مستدركه في كتاب التفسير، تفسير سورة المجادلة (٢/ ٤٨٢) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه "، وأخرجه ابن جرير في جامع البيان (٢٨/ ٢٣)، وأخرجه الواحدي في أسباب النزول (ص: ٣٤٠).
(٣) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٢٢)، تفسير البغوي (٨/ ٦١).
(٤) في (أ) " أنهم يكذبون منافقون ".
(٥) انظر: النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٤)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٩٠).
(٦) وقد تعقَّب هذا القول النحَّاس في تفسير قول الله تعالى: " {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} " أي فيحلفون له على الباطل، وهذا دليلٌ بيّن على بطلان قول من قال: إنَّ أحداً لا يتكلَّم يوم القيامة إلا بالحق لما يعاين " [إعراب القرآن؛ للنَّحَّاس (٤/ ٢٥٤)].
(٧) في (ب) " فيقولون ".
(٨) لم أقف عليه.
(٩) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٢٤)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٩٠)، تفسير البيضاوي (٢/ ٤٧٧).
(١٠) انظر: جامع البيان (٥/ ٣٣٢)، معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ١١١)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٩١).
(١١) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٢٤)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣٥٢).
(١٢) انظر: جامع البيان (٢٨/ ٢٦)، زاد المسير (٨/ ١٦)، الجامع لأحكام القرآن (١٧/ ٢٩١).
(١٣) " أنَّ " ساقطة من (أ).
(١٤) انظر: معاني القرآن؛ للفرَّاء (٣/ ١٤٢)، إعراب القرآن؛ للنَّحَّاس (٤/ ٢٥٥).
(١٥) في (ب) والمعنى لأغلبن {أَنَا} وتغلب} وَرُسُلِي {: بالسيف والحجة ".
(١٦) قال الزَّجَّاج: " ومعنى غلبة الرُّسل على نوعين: من بُعث في الحرب فغالب في الحرب، ومن بُعث منهم بغير حرب فهو غالب بالحُجَّة [معاني القرآن (٥/ ١١٢)].
(١٧) أبو قُحَافة، هو: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو قحافة القرشي التيمي. والد أبي بكر الصديق، من سادات قريش أسلم يوم فتح مكة، وأتى به أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبايعه، فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " غيروهما وجنبوه السواد "، فكان أول مخضوب في الإسلام، وعاش بعد ابنه أبي بكر، وورثه، وهو أول من ورث خليفة في الإسلام، إلا أنه رد نصيبه من الميراث، وهو السدس، على ولد أبي بكر، وقد توفي - رضي الله عنه - سنة أربع عشرة للهجرة. [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: الاستيعاب (٣/ ٣١٨)، أسد الغابة (٣/ ٥٧٥)].
(١٨) انظر: تفسير الثعلبي (٩/ ٢٦٤)، النُّكت والعيون (٥/ ٤٩٧).
(١٩) أبو عبيدة، هو: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، أبو عبيدة، غلبت عليه كنيته، يجتمع في النسب هو والنبي - صلى الله عليه وسلم - في فِهر، شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وسماه أمين الأمة، كان من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث معدودة، من قواد الفتوح في عهد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم-، وكان موصوفًا بحسن الخلق والحلم الزائد والتواضع. وفضائله جمة، توفي - رضي الله عنه - في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بأرض الشام. [انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: الاستيعاب (٤/ ١٢٠)، أسد الغابة (٣/ ١٢٤)، سير أعلام النبلاء (١/ ٥)، الإصابة (٢/ ٢٤٤)].
(٢٠) الرَّعْلة: القَطِيع أَو القِطْعة من الخيل ليست بالكثيرة، وقيل: هي أَوَّلها ومُقَدِّمتها. [انظر: كتاب العين (٢/ ١١٥)، مادة " رَعَلَ "، لسان العرب (١١/ ٢٨٦)، مادة " رَعَلَ "].
(٢١) في النسختين " يا با بكر ".

<<  <   >  >>