لأن قائلها قد جاد بنفسه كل الجود بخلاف من يلاقي قريبه في القتال؛ فإنه يجوز أن يقهره ويقتله فلا يكون بذله نفسه - مع تجويز سلامتها - كبذل المنكر نفسه مع يأسه من السلامة.
قال شيخ مشايخنا عبد القادر الكيلاني - قدَّس الله روحه -: (فهل يجوز الإنكار إذا غلب على ظنه الخوف على نفسه؟ فعندنا يجوز ذلك وهو الأفضل إذا كان من أهل العزيمة والصبر فهو كالجهاد في سبيل الله مع الكفار.
قال أبو الفرج بن الجوزي: (فأما السبُّ والشتم فليس بعذرٍ في السكوت، لأن الآمر بالمعروف يلقى ذلك في الغالب).
وسيأتي - في فضل الصبر - من الباب الرابع - قول أبي داود لأحمد - رحمه الله -: (يشتم الآمر بالمعروف؟ قال: يحتمل. من يريد أن يأمر وينهى، لا يريد أن ينتصر بعد ذلك).
وقد جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: كان أهل قريةٍ يعملون بالمعاصي وكان فيهم أربعة نفر ينكرون ما يعملون. فقال أحدهم: إنكم تعملون كذا وكذا! !
فجعل ينهاهم ويزجرهم بقبيح ما يصنعون فجعلوا يردون عليه ولا يرجعون عن أعمالهم فسبهم فسبوه وقاتلهم فغلبوه فاعتزل. وقال: اللهم إني نهيتهم فلم يطيعوني وسببتهم فسبوني وقاتلتهم فغلبوني ثم ذهب وقام الآخر فنهاهم فلم يطيعوه فسبهم فسبوه فاعتزل. ثم قال: اللهم إني نهيتهم فلم يطيعوني، وسببتهم فسبوني ولو قاتلتهم غلبوني ثم قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه فاعتزل. ثم قال اللهم إني نهيتهم فلم يطيعوني ولو سبيتهم لسبوني ولو قاتلتهم غلبوني ثم ذهب. وقام الرابع وقال: اللهم إني لو نهيتهم لم يطيعوني ولو سببتهم لسبوني ولو قاتلتهم غلبوني ثم ذهب فاعتزلهم.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: كان الرابع أدناهم منزلة وقليل فيكم مثله.
ولا يسقط وجوبه - أيضًا - بتأويل ولا مداهنة.
قال أبو داود سليمان بن الأشعث: (سئل أبو عبدالله يعني الإمام أحمد - رحمه الله -