عن رجلٍ له جار يعمل بالمنكر ينكر عليه؟ قال: نعم ينكر عليه ... ).
قال أبو طالب عمر بن الربيع: واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حالان مخالفان للطبع والهوى، فلا ينبغي لأحد أن يدع ما يلزمه من القيام بهما بتأويل، والمؤمن لا يدع نفسه تميل إلى التأويل، لما أكَّد الله - سبحانه - بقوله:{لاَّ تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يؤادُّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}.
فلا يسع أحدًا بعد هذا أن يدفع عن نفسه شيئًا مما وجب عليه القيام لله به بتأويل يريد أن يسقط عن نفسه شيئًا مما وجب عليه وجوب فرض لله - تعالى -.
وكذلك لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، زعمًا أن ذلك رضا بقضاء الله - تعالى - كما غلط فيه بعض المنحرفين والبطالين وقالوا: إن المعاصي والفجور وغير ذلك - من القبائح الظاهرة والباطنة - من قضاء الله وقدره، فيجب الرضا به وعدم التعرض إلى فاعله بقول أو فعل ولو بالكراهة فقد تلبس عليهم حتى رأوا السكوت على المنكرات مقامًا من مقامات الرضا، وسموه حسن الخلق، وحتى ذهبوا إلى ترك الدعاء زاعمين أن ذلك رضاء بوجود القضاء. فهذا كله جهل بالتأويل وغفلة عن فهم معنى التنزيل، فقد ذم - سبحانه - من رضي بالمعاصي، وما يتعلق بها من أمور الدنيا المذمومة حيث قال:{ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها}.
وقال - تعالى -: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم}.
وفي الأحاديث المشهورة ما يدل على أن من رضي بمنكر كان شريكًا لفاعله - كما سيأتي في هذا الباب وغيره.
بل من أسباب رضا الله - تعالى - على العبد كراهة معاصيه، والمبادرة بالإنكار على أهلها والقيام بما أوجبه - سبحانه - عليه من ذلك.
وأنشدوا:
يا طالب الأمر لا تركن إلى الكسل ... واعجل فقد خلق الإنسان من عجل
واستشعر الصبر وانه من لمحة وقل ... أعوذ بالله من علم بلا عمل