ذلك، وإنما أمر بإنكار المنكر، لكن إن عجز أحد، وشاء أن يخرج تنزهًا؛ مخافة أن يسمع ما لا يحل فذلك أفضل - قاله جماعة من العلماء - وأيضًا فإن الأنبياء لم يزالوا مقيمين بين الكفار الذين يعملون بالمعاصي، وكانوا ينهونهم، ويخبرونهم بما عليهم من عقاب الله وهم مقيمون بينهم.
فإن قيل: فإن لم يقدروا على إزالة المنكر فهل يحل لهم أن يقعدوا في الأسواق وغيرها مع ما يسمعون من المنكر؟ قيل: نعم، إذا أنكروا عليهم، ووعظوهم فانتهوا لم يكن في قعودهم ضرر، إذا كانوا منكرين بألسنتهم وقلوبهم.
وروى البيهقي من حديث (أبي صغير) عسعس بن سلامة التيمي (بفتح العينين وإسكان السينين التيمي - رضي الله عنه - أن رجلًا أتى الجبل يتعبد ففقد وطلب فوجد فجيء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لا تفعل أنت ولا أحد منكم، لصبر أحدكم ساعة من نهار في بعض مواطن الإسلام خير من عبادته خاليًا أربعين عامًا).
ورواه شعبة عن الأزرق بن قيس. قال: سمعت عسعس بن سلامة يقول بذلك فذكره.
وفي جامع الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: غزونا على الناس في هذا الشعب ولن أفعل ذلك حتى أذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - عليه الصلاة والسلام -: (لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله خير من صلاته بسبعين عامًا ألا تحبون أن يغفر الله لكم وتدخلوا الجنة؟ اغزوا في سبيل الله فإنه من قاتل في سبيل الله فواق ناقة أدخله الله الجنة).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
رواه الحاكم في المستدرك وفي لفظه: ستين عامًا.
وقال: صحيح على شرط مسلم.
وفي رواية الترمذي: قال: مر رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعب فيه عوينة من ماء عذب فأعجبته لطيبها. فقال: لو أقمت في هذا المكان أعبد الله وأعزل شرِّي عن