للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العزلة؛ لأن الأدب في القيام بحقوق الخلق هو عدم الإفراط بحيث يشتغل بها عن حقوق الله أو عن تكميلها أو عن مصلحة دينه وقلبه وأن لا يقصر في شيء منها فيعطلها بالكلية، فإن الطرفين من العدوان الضار والله لا يحب المعتدين. ومتى اعتزل الناس ضاعت الحقوق وانقطعت الأرحام فلا يترك حق الباطل.

وأما الانتفاع بالناس فبالكسب والمعاملة وذلك لا يتأتى إلا بالمخالطة - أيضًا - والمحتاج إليه مضطر إلى ترك العزلة وكذلك إذا اكتسب من وجهة وتصدق وأنفق على عياله فهو أفضل من العزلة.

الفائدة الثالثة: التأديب والتأدب، أما التأدب فهو الارتياض بمقاساة الناس والمجاهدة في تحمل أذاهم؛ كسرًا للنفس وقهرًا للشهوات وهي من الفوائد التي تستفاد بالمخاطبة وذلك أفضل من العزلة. وأما التأديب فهو أن يروض غيره وذلك حال شيخ المتصوفة معهم، فإنه لا يقدر على تهذيبهم إلا بمخالطتهم، وحاله حال المعلم وحكمه حكمه.

الفائدة الرابعة: الاستئناس والإيناس وهو غرض من يحضر الولائم والدعوات ومواضع المعاشرة والأنس فقد يستحب ذلك لأمر الدين وذلك فيمن يستأنس بمشاهدة أقواله وأحواله في الدين كالأنس بالمشايخ الملازمين لسمت التقوى. ويستحب إذا كان الغرض منه ترويح القلب بتهييج دواعي النشاط في العبادة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت ومتى كان في الوحدة وحشة وفي المجالس أنس يروح القلب فهو أولى، إذ الرفق في العبادة من حزم العبادة فهو أمر لا يستغنى عنه، فإن النفس لا تألف الحق على الدوام ما لم تروح وفي تكليفها الملازمة تفتير. قال - صلى الله عليه وسلم -: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لولا مخافة الوسواس لم أجالس الناس فلا يستغني الناس إذا عن رفيق يستأنس بمشاهدته ومحادثته فهذا النوع من الاستئناس في بعض أوقات النهار ربما يكون أفضل من العزلة في حق بعض الأشخاص. والله أعلم.

الفائدة الخامسة: نيل الثواب وإنالته، أما نيله فمثل حضور الجنائز، وعيادة المرضى والإعانة على البر والتقوي وحضور مجلس علم وقضاء حاجة وحضور العيدين، وأما الجمع والجماعات في سائر الصلوات فلا بد منها إلا لخوف ضرر ظاهر يقاوم ما يفوت من فضيلة الجماعة ويزيد عليه كما ذكر العلماء في مواطنه، وكذلك في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وكذلك في حضور الولائم والدعوات ثواب من حيث إدخال السرور على قلب المسلم.

<<  <   >  >>