للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أذاه وسخطه، وهو بأن يكسر مثلًا (عوده) ويريق خمره، ويحل الخيوط من ثيابه المنسوجة بالحرير، ويرد إلى الملاك ما يجده في بيته من المال الحرام، الذي غصبه أو سرقه أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين، إذا كان صاحبه متعينًا، ويحك الصور المنقوشة على حيطانه والمنقورة، في خشب بيته، ويكسر أواني الذهب والفضة، فإن فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب بخلاف الضرب والسب، ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلاّ إن فعل الولد حق، وسخط الأب منشؤه حبه للباطل وللحرام.

قال أبو حامد- رحمه الله -: والأظهر في القياس أنه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك، ولا يبعد أن ينظر فيه إلى قبح المنكر، ولى مقدار الأذى والسخط فإن كان المنكر فاحشًا وسخطه عليه قريبًا كإراقة الخمر ونحوه، ولا يشتد غضبه فذلك ظاهر، ون كان المنكر قريبًا، والسخط شديدًا كما لو كانت له آنية من بلور أو زجاج على صورة حيوان، وفي كسرها خسران مال كثير فهذا مما يشتد فيه الغضب، وليس تجري هذه المعصية مجرى الخمر وغيره، فهذا كله مجال النظر.

ثم قال: فإن قيل: من أين قلتم ليس له الحسبة - يعني الإنكار على أبيه - بالتعنيف والضرب والإرهاق إلى ترك الباطل، والأمر بالمعروف في الكتاب والسنة ورد عامًا من غير تخصيص، وأما النهي عن التأفيف والأذى فقد ورد وهو خاص فيما لا يتعلق بارتكاب المنكرات؟

فنقول: قد ورد في حق الأب على الخصوص ما يوجب الإستثناء من العموم، إذ لا خلاف أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه (في الزنا)، ولا أن يباشر إقامة الحد عليه بل لا يباشر قتل أبيه الكافر، بل لو قطع يده لم يلزمه قصاص، ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته وقد ورد في ذلك أخبار. ومن أمثلتها ما روى الترمذي، وابن ماجه وغيرهما من حديث عمر موقوفًا: "لا يقاد الوالد بالولد" فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة، فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبله متوقعة، بالأولى. انتهى.

وأما الإنكار على الزوج والسيد؟ فقال أبو حامد: ينبغي أن يجري (أي هذا الترتيب) في العبد والزوجة مع السيد والزوج، فهما قريبان من الوالد في لزوم الحق ون كان ملك اليمين آكد من ملك النكاح. ولكن روى الترمذي - في جامعه - من حديث أبي هريرة -

<<  <   >  >>