وإذا فعلوا محرمًا عندهم غير محرم عندنا لم نتعرض لهم ولم نعتزلهم وندعهم على فعلهم، سواء أسروه أو أظهروه وهذا ظاهر قول أصحاب أحمد وغيرهم، لأن الله - تعالى - منعنا من قتالهم والتعرض لهم بما التزموا به من الجزية. والصغار هو جريان أحكام المسلمين ومن المقصود إقامة أمر الإسلام وهو حاصل لا بأمر دينهم المبدل المغير ولأن الإنكار عليهم والتعرض لهم فيه يفتقر إلى دليل.
والأصل عدمه، لأن من كان منهم فاسقًا في دينه قد يترتب عليه شيء من أحكام الدنيا فلا تصح شهادته مطلقًا ولا وصيته إلى غيره ولا وصية غيره إليه - ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية.
قال أصحاب أحمد - رحممم الله -: ولا يمنعون أهل الذمة من نكاح محرم بشرطين:
أحدهما: أن يرتفعوا إلينا.
والثاني: أن يعتقدوا حله في دينهم، لأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة وغير ذلك.
قال أبو عبد الله بن مفلح: وهذا الحكم من أصحابنا في هذه المسألة بهذا التعليل دليل على أن كل أمر محرم عندنا إذا فعلوه غير معتقدين حله يمنعون منه. ويوافق هذا المعنى قولهم: لا يلزم الإمام إقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه خاصة سواء كان الحد واجبًا عليهم في دينهم (أم لا استدلالًا بفعله - عليه الصلاة والسلام - في رجمه اليهوديين الزانيين ولأنه محرم في دينهم) وقد التزموا حكم الإسلام، وذلك أن تحريمه عندنا مع اعتقادهم تحريمه يصير منكرًا فتتناوله أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأنهم التزموا الصغار وهو جريان أحكام الإسلام عليهم إلاّ فيما اعتقدوا إباحته، وما ذكر من إنكار ما هو محرم عليهم عندنا مع اعتقادهم تحريمه أعم من أن يكون التحريم عامًا لنا ولهم أو عليهم خاصة في ملتهم وقررت شريعتنا تحريمه عليهم، وذلك لاتفاق الملتين على تحريمه كما لو كان التحريم عامًا (لنا ولهم لعدم أثر اختصاصهم بالتحريم، إذ لا يشترط في إنكار المحرم أن يكون التحريم عامًا) للفاعل ولغيره، وعلى هذا نمنعهم من تبايعهم الشحوم المحرمة عليهم في دينهم لأكلها أو لغيره، لأن تحريمها باق عليهم عند الإمام أحمد رحمه الله - قال ابن مفلح: جزم به في كتاب الروايتين - وفيه نظر وهذا نص على أنه لا يجوز لنا أن نطعمهم شيئًا من هذه الشحوم وعلى هذا تحرم إعانتهم على ذلك والشهادة فيه. واختار أبو الوفا ابن عقيل: نسخ تحريم هذه الشحوم - قال ابن مفلح: جزم به في كتاب