الناس بل لو صادف هذا المنكر في خلوة لوجب المنع منه وهذا لا يسمى معصية في حق المجنون. فلفظ المنكر أدل عليه وأعم من لفظ المعصية، وقد اندرج في عموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصغائر والكبائر فلا يختص الإنكار بالكبائر بل كشف العورة في الحمام والخلوة بالأجنبية وإتباع النظر إلى النسوة الأجنبيات، كل ذلك من الصغائر ويجب النهي عنها. ذكره الغزالي. والله أعلم.
الشرط الثاني: أن يكون المنكر موجودًا في الحال. وهذا احتراز من الإنكار على من فرغ من شرب الخمر فإنّ ذلك ليس إلى الآحاد بعد انقراض المنكر، واحتراز عما سيوجد في ثاني الحال كمن يعلم بقرينة حاله أنه عازم على الشرب في ليلته فلا إنكار عليه إلاّ بالوعظ. وان أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه - أيضًا- فيه فإن في ذلك إساءة ظن بالمسلم وربما صدق في قوله، وربما لا يقدر على ما عزم عليه لعائق.
قال أبو عبد الله أحمد بن حمدان في الرعاية:(ولا إنكار فيما مات إلا العقائد والآراء).
قال أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء: يشترط أن يعلم المنكر الاستمرار الفاعل على فعل المنكر فإن علم من حاله ترك الاستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل.
قال أبو عبد الله محمد بن مفلح: فإن كان مراده أنه ندم وأقلع وتاب فصحيح لكن هل يجوز في هذه الحالة إنكاره أو يرفعه إلى ولي الأمر، ليقيم الحد؟ ينبني على سقوطه بالتوبة. فإن اعتقد الشاهد سقوطه لم يرفعه وإلّا رفعه. وان كان مصرًّا على المحرم لم يتب فهذا يجب إنكار الماضي وإصراره، واحتج على ذلك بما ثبت في الصحيحين من محاجة آدم وموسى - صلوات الله عليهما - ومعاتبتهما على ما وقع منهما. والحديث مشهور.
ثم أورد على هذا الحديث كلام العلماء فيه بما إيراده مخرج عما نحن بصدده.
ثم قال:(وكلام أبي العباس بن تيمية وكلام غيره دل على أن الذنب الماضي يلام صاحبه وينكر عليه إذا لم يتب) انتهى.
وذكر القاضي أبو يعلى - في المعتمد:(أنه لا يجوز إنكار المنكر إذا ظن وقوعه).