للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاحضر قلبك، إنما أنت - في الدنيا - غريب.

كان الحسن البصري يقول: يا أهل السنة توقفوا رحمكم الله، فإنكم من أقل الناس.

والمراد بالسنة: طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه وهي عبارة عما يسلم من الشبهات في الاعتقادات، ومسائل الإيمان، ومسائل القدر وغير ذلك. وكذلك القائمون بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهؤلاء هم أقل الناس في أخر الزمان، ولذلك وصفوا بالغربة، لقلتهم كما سبق في بعض الروايات: قوم ممالحون قليل في قوم سوء كثير من يعصهم أكثر ممن يطيعهم.

قال أبو الفرج ابن الجوزي عبد الرحمن - رحمه الله-: ففي هذا إشارة إلى قلتهم، وقلة المستجيبين لهم. والقابلين منهم وكثرة المخالفين والعامين لأمرهم. انتهى.

فالغربة - عند أهل الطريق - غربتان: ظاهرة، وباطنة، فالظاهرة نوعان:

الأول: غربة الحال، وليس لنا- بذكرها في هذا الموطن - كثير فائدة.

والثاني: هي التي نحن بصددها- غربة الحال، والحال ها هو الوصف القائم به المؤمن من الدين، والمسك بالسنة وهي غربة أهل الملاح بين الفساق. وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق. وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق. وغربة علماء الآخرة بين علماء الدنيا الذين سلبوا الخشية والإشفاق. وغربة الزاهدين بين الراغبين في كل ما يفد وليس بباق.

وأما الغربة الباطنة: فغربة الهمة وهي غربة العارف بين الخلق كلهم حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم لا يعرجون بقلوبهم عنه.

قال يحيى بن معاذ: الزاهد غريب الدنيا، والعارف غريب الأخرة، يعني أن الزاهد غريب بين أهل الدنيا، والعارف غريب بين أهل الأخرة، لا يعرفه العباد ولا الزهاد وإنما يعرفها من هو مثله، وهمته كهمته.

فالغربة - حينئذ- ثلاثة أنواع: الأولى: غربة الأبدان، والثانية: غربة الأفعال، والثالثة: (غربة الهمم) .. والله أعلم.

وهذا الفضل العظيم الموعود به لأهل الغربة، وإنما هو لرغبتهم بين الناس، والتمسك بالسنة بين ظلم أهوائهم فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهًا في سنة رسول

<<  <   >  >>