للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهؤلاء الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس -جدًا- سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الاسلام - في الناس - غرباء، وأهل الايمان- في المسلمين - غرباء والعلماء في المؤمنين غرباء، وأهل السنة - الذين تميزوا بها بين أهل الأهواء والبدع - غرباء، والداعون إليها، الصابرون على أذى المخالفين لهم غرباء، ولكن هم أهل الله حقًا، والداعون إليه صدقًا. وأنشدوا:

يا من شكى شجوه من طول غربته ... اصبر لعلك تلقى من نحب غدا

وفي جامع الترمذي من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر).

ولبعضهم:

هذا زمان كنا نحاذره ... في قول كعب وفي قول ابن مسعود

إن دام هذا ولم يحدث له غبر ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

وهؤلاء الغرباء قسمان: أحدهما من يصلح بنفسه عند فساد الناس. والثاني: من يصلح ما أفسد الناس من السنة وهو على القسمين.

قال عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي - رحمه الله-: أما أنه ما يذهب الإسلام، ولكن يذهب أهل السنة، حتى لا يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد أو رجلان. وهذا كما قال عبد الله بن المبارك- قدس الله روحه- منشدًا:

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر

وبقيت في خلف يزكي بعضهم ... بعضًا ليدفع مغور عن مغور

قال عبد الواحد بن زيد البغدادي: مررت براهب في صومعة له. فقلت: يا راهب كيف تكون الغربة؟ قال: يا فتى ليس الغريب من مشى من بلد إلى بلد، ولكن الغريب صالح بين فساق.

وقال الفضيل بن عياض: من كان بطاعته من الله قريبًا، كان في الأرض من الخلق غريبًا. وقال يونس بن عبيد - رحمه الله-: ليس شيء أعزب من السنة، وأغرب منها من يعرفها، ويحك أتسكن إلى العافية، وتساكن العيشة الصافية، ولا بد من فراق العيش الرطيب

<<  <   >  >>