وقوله صلى الله عليه وسلم بعد أن قال له أبو سعيد الخدري: ما أشد حماك يا رسول الله؟ قال:(إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر). ثم قال: يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال:(الأنبياء). قال ثم من؟ قال:(العلماء). قال: ثم من؟ قال:(الصالحون).وقوله صلى الله عليه وسلم:(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون).
فكما لا يخلو الأنبياء من الابتلاء بالجاحدين، فكذلك لا يخلو الأولياء والعلماء والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر عن الابتلاء بالجاهلين، لأن منزلة الآمرين بالمعروف تلي منزلة الأنبياء. كما سبق في - الباب الأول - عند قوله:{إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم}.
فذكر الله - سبحانه - الذين يأمرون بالقسط بعد الأنبياء في الترتيب فقل ما انفك الأولياء وأهل الدين، من الأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، عن ضروب الإيذاء، وأنوع البلاء بالإخراج من البلاد، والسعاية بهم إلى السلاطين والحكام، والشهادة عليهم بالكفر والخروج عن الدين، أو نسبتهم إلى ما يفسق من البدع والمعاصي وغير ذلك وفي كل ذلك خير لهم في الدنيا والأخرة.
وقد روى ابن أبي الدنيا - بسنده - عن أنس مرفوعًا:"إن الله - تعالى - إذا أراد بعبد خيرًا، أو أراد أن يصافيه، صب عليه البلاء صبًا" الحديث.
ورواه الأصفهاني - في الترغيب والترهيب - بأتم من هذا إلى غير ذلك من الأحاديث.
ومن جملة ما يرسله الله - سبحانه وتعالى - إلى عبده من البلاء، أن يقيض له ويسلط عليه من بعض خلقه من يقصده بالأذى، وكان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوفى نصيب من ذلك كما روي من حديث جابر مرفوعًا:(ما أوذي أحد في الله ما أوذيت) ثم ألحق بحاله خواص