ما يجري مجراه، ويحكي سير السلف وعادة المتقدمين، وكل ذلك لشفقة ولطف من غير عنف وغضب، بل ينظر إليه نظر المترحم عليه ويري إقدامه علي المعصية مصيبة علي نفسه إذ المسلمون كنفس واحدة.
وقال أبو زكريا يحيي النووي: وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق، ليكون أقرب إلي تحصيل المطلوب. انتهي. فقد يأمر المرء بالمعروف ويكون أمره منكرًا، لأنه إذا أمر بعنف وغلظة وفظاظة يوشك أن يفضي ذلك إلي العداوة والشر والتقاتل والمحاربة فيكون منكرًا وغالب الناس إذا رأي من الأمر غلظة وجفوة في أمره ونهيه لا يقبل قوله ولا يطيع أمره.
كما روى الإمام أحمد قال: حدثنا معتمر بن سليمان. قال: سمعت (أبي) يقول: ما أغضبت أحدًا فقبل منك. وذلك أن معاملة الخلق بالعنف والشدة والغلظة ينفرهم ويبعدهم عنك، وإذا نفروا لا يصغوا إلي ما تأمرهم به وتنهاهم عنه، ثم يفسد عليك قلبك وحالك مع الله. (وقال ابن القيم: ليس قلب أنفع من معاملة الخلق باللطف فإن المعامل باللطف إما أجنبي فتكسب مودته وصحبته وإما صاحب وحبيب فتستديم مودته وصحبته وإما عدو فتطفئ بلطفك جمرة عداوته وتستكفي شره).
قال العلامة ابن مفلح رحمه الله: وينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متواضعًا رفيقًا فيما يدعو إليه شفيقًا رحيمًا غير فظ ولا غليظ القلب رقيقًا عالمًا بالمأمورات والمنهيات شرعًا، دينًا نزهًا عفيفًا ذا رأي وصرامة وشدة في الدين قاصدًا - بذلك- وجه الله وإقامة دينه ونصرة شرعه وامتثال أمره وإحياء سنته بلا رياء ولا منافقة ولا مداهنة، غير منافر ولا مفاخر ولا ممن يخالف فعله ويسن له العمل بالنوافل والمندوبات والرفق وطلاقة الوجه وحسن الخلق عند إنكاره والتثبت والمسامحة عند أول مرة.
قال حنبل:(سمعت أبا عبد الله يقول: والناس يحتاجون إلي مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه، لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة. فهؤلاء الفساق لا حرمة لهم ونقل مهنا عنه: ينبغي أن يأمر بالرفق والخضوع، قلت: كيف؟ قال: أن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيريد أن ينتصر لنفسه).