أحدًا في حل فتبسم إلي وسكت فلما كان بعد أيام قال لي: مررت بهذه الآية: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني هاشم بن القاسم قال: حدثني المبارك، قال: حدثني من سمع الحسن. يقول: إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة، ونودوا: ليقم من أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا. قال أبي: فجعلت الميت في حل من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل أن لا يعذب الله بسببه أحدًا.
وقال عبد الله ابنه: قال أبي: وجه الله الواثق أن أجعل المعتصم في حل من ضربه إياك. فقلت: ما خرجت من داره حتى جعلته في حل.
وأنشد محمود الوراق:
إني وهبت لظالمي ظلمي ... وغفرت ذاك له على علمي
ورأيته أسدى إلى يدا ... فأبان منه بجهله حلمي
وقال غيره:
وإذا المسيء جنى عليك جناية ... فاقتله بالمعروف لا بالمنكر
وأحسن إليه إذا أساء فإنه ... من ذي الجلال بسمع وبنظر
وقيل لبعض الأعراب: من سيدكم؟ فقال: من احتمل شتمنا، وأعطى سائلنا. وأغضى عن جاهلنا. فمن قابل المكروه بالعفو، والزلة بالحلم، والإساءة بالإحسان والسيئة بالغفران فقد أوطأ أخمص قدمه أوج السيادة وأعطى نفسه بشراها بأن له الحسنى وزيادة.
وروى البيهقي في الشعب بسنده، عن محمد بن عبد الواحد أنه كان ينشد:
لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا ... حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة ... لا عفو ذل ولكن عفو إكرام
وقيل: إن هذين البيتين لعروة بن الزبير- رحمة الله عليه- هذا جود الفتوة. فمن قابل المكروه بالعفو، والزلة بالحلم، والإساءة بالإحسان، والسيئة بالغفران فقد أوطأ أخمص قدميه أوج السيادة وأعطى نفسه بشراها بأن له الحسنى وزيادة.