قال الله تعالى:{والجروح قصاصٌ فمن تصدق به فهو كفَّارة له} ... وفي هذا الجود. قال الله تعالى:{وجزؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحبُّ الظَّلمين}.
قال سعيد بن المسيب: لأن يخطئ الإمام في العفو خير له أن يخطئ في العقوبة.
وقال جعفر بن محمد: لأن أندم على العفو، أحب إلي أن أندم على العقوبة.
هذه والله علامات المهذبين المرتاضين، وأمارات المخلصين الصادقين. كما قال الإمام أحمد- رحمه الله- في رواية إسحاق بن إبراهيم وقد جاءه رجل. فقال له: إني كنت شاربًا مسكرًا فتكلمت فيك بشيء فاجعلني في حل. فقال أبو عبد الله: أنت في حل إن لم تعد. فقلت له: يا أبا عبد الله، لم قلت له ذلك فلعله يعود؟ قال: ألم تر ما قلت له: إن لم تعد قد اشترطت عليه؟ ثم قال: ما أحسن الشروط إذا أراد أن يعود فلا يعود إن كان له دين.
وقال أبو بكر المروذي: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد الله: اجعلني في حل. قال: من أي شيء؟ قال: كنت أذكرك، أي أتكلم فيك. قال له: ولم أردت أن تذكرني. فجعل يعترف بالخطأ فقال له أبو عبد الله: على أن لا تعود لهذا. قال له نعم. قال: قم، ثم التفت إلي وهو يبتسم. فقال: لا أعلم أني شددت على أحد إلا على رجل جاءني فدق علي الباب، وقال: اجعلني في حل، فإني كنت أذكرك. فقلت: ولم أردت أن تذكرني، أي وهذا الرجل كأنه أراد منهما التوبة وأن لا يعود.
رواه الخلال- في حسن الخلق- من كتاب الأدب. فينبغي للإنسان أن لا ينزعج على من آذاه ويجاهد نفسه، ليرتاض فيقابله بالعفو والصفح، ويواجهه بما لا يواجهه به غيره من المحبين.
والمعتقدين من طيب القول وحسن العبادة، وعدم الجفاء تقربًا إلى ربه- عز وجل- فإن ذلك من شيم العلماء الصلحاء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، المقتدين بسنة سيد البشر- عليه أفضل الصلاة والسلام وأعلى من ذلك الجود بالعرض.
كما روى ابن أبي الدنيا وغيره: من حديث حمزة الثمالي، أن علي بن الحسين زين العابدين كان إذا خرج من بيته قال: اللهم إني أتصدق اليوم، أو أهب عرضي من استحل منا شيئًا من ذلك. كأبي ضمضم- رضي الله عنه- فيما رواه أبو بكر بن السني من حديث أنس