والاعتقادية. يقال: أن هجر يهجر هجرًا وهجرانًا أي (صرمه) وهما يهجران ويتهاجران أي يتقاطعان. والاسم الهجرة بالكسر، وذلك عند العجز عن الإنكار باليد واللسان كما سيأتي بيانه قريبًا. قال العلماء: الهجر الشرعي نوعان:
أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات مثل قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره}.
يكفر بها ومعناه:(إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم، وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه. فلهذا قال: (إنكم إذًا مثلهم) أي في المأثم كما قال تعالى: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا} أي كما اشتركوا في الكفر فكذلك شارك بينهم في الخلود في نار جهنم أبدًا).
والمقصود أن الآية متضمنة عدم شهود المنكرات لغير الحاجة. والله أعلم.
ومثل قوله تعالى:{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}.
قال المفسرون:(الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون داخلون فيه بأمر أن يساندهم بالقيام عنهم، إذا استهزؤا وخاضوا، ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء. قال أبو عبد الله القرطبي - رحمه الله- فدل هذا على أن الرجل إذا علم من الآخر منكرًا، وعلم أنه لا يزول عنه فعليه أن يعرض عنه إعراض منكر ولا يقبل عليه حتى يرجع). وقال بعض العارفين (معنى ذلك لا تجالسوا أهل الغفلة والوحشة، فإن ظلمات أنفاسهم تؤذي قلوبكم، فإن من كان متلبساً بوصف ما يشاركه فيه حاضروه، لأن جليس من هو (في) أنس مستأنس، وجليس من هو في ظلمة مستوحش).
ثم قال تعالى:{وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} المعنى يا محمد إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم وجالستهم بعد النهي فلا تقعد أي (إذا) ذكرت النهي فلا تقعد معهم، لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر لا تجلس عندهم. وقوم دعوه الوليمة عليها خمرًا أو مزمارًا لا تجب دعوتهم وأمثال ذلك فقد قيل: حاضر المنكر كفاعله.