من حيث أنها نعمة من الله -تعالى- وله المنة لا لك فترى ذلك منه حتى لا تعجب نفسك، وإذا لم تعجب لم تتكبر.
والثالث: ملاحظة إيهام عاقبتك وعاقبته أنه ربما يختم لك بالسوء ويختم له بالحسنى حتى يشغلك الخوف عن التكبر عليه.
وقال بعض المحققين: إذا كان الله -تعالى- قد رضي أخاك المسلم العاصي عبدًا لنفسه أفلا ترضى أنت به أخًا! ! ؟ فعدم رضاك به أخًا -وقد رضيه سيدك الذي أنت عبده عبدًا لنفسه مع عصيانه ومخالفته-عين الكر وأي قبيح أقبح من تكبر العبد على مثله، لا يرضى بأخوته وسيده راض بعبوديته. فينتج من هذا أن المتكبر غيور غير الراضي بعبوديته لأن عبوديته لله توجب رضاه بأخوته عبيد الله انتهى.
قال بعضهم: فالتواضع له طرفان ووسط فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبرًا وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسسًا ومذلة، والوسط يسمى تواضعًا وهو المحمود، فمن تقدم على أمثاله فهو متكبر ومن تأخر عنهم فهو متواضع.
فالعالم إذا دخل عليه إسكاف فتنحى له عن موضعه ومجلسه وأجلسه فيه ثم تقدم فسوى نعله، وعذا إلى باب الدار خلفه فقد تخاسس له وتذلل وهو غير محمود، بل المحمود أن يعطي كل ذي حق حقه, فينبغي أن يواضع بمثل هذا لأمثاله ومن يقرب من درجته.
وأما تواضعه للسوقي فبالقيام وللبشر بالكلام، والرفق في السؤال، وإجابة دعوته والسعي في حاجته، وأمثال ذلك.
وأن لا يرى نفسه خيرًا منه، بل يكون على نفسه أخوف منه على غيره فلا يحقره ولا يستصغره وهو لا يعرف خاتمة أمره. انتهى.
والفرق بين التواضع واللين وبين المهانة: أن الواضع واللين: لعبد عطوف القلب ساكن النفس، واسع الصدر، مستوي الطبع، سهل الخلق لين هين فاللطف ليّنه، والجود سهل خلقه، والمهانة: لعبد أله شره نفسه وتراكم ظلمة المعاصي على قلبه وفي صدره ففي صدره سحائب المعاصي، وغيوم العلائق وصبابة الهوى، وحديث الشهوات، ودخان