للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن قيل لم لبسوا الجماجم قل لهم ... جعلوا جماجمهم حذا أقدامهم

روى البيهقي -في الشعب- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وابن عباس مرفوعًا: " ما من أحد إلا في رأسه حكمة" عند ملك فإن تعاظم وارتفع ضرب الملك في رأسه. وقال له -اتضع وضعك الله، وإن تواضع رفعه الملك وقال له: ارتفع رفعك الله".

وفي رواية "ما من أحد إلا ومعه ملكان وعليه حكمة يمسكانه بها، فإن هو رفع رأسه جذباه ثم قالا - اللهم ضعه- وإن وضع نفسه قالا اللهم ارفعه.

الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه -قاله أهل اللغة.

وأنشدوا:

فتى زاده ذل التواضع عزة ... وكل عزيز عنده متواضع

قال أبو حامد: فإن قلت كيف التواضع للفاسق والمبتدع وقد أمرت ببغضهما، والجمع بينهما متناقض؟

فاعلم أن هذا أمر مشتبه يلتبس على أكثر الخلق، إذ يمتزج غضبك لله في إنكار البدعة والفسق بكبر النفس، والإذلال بالعلم والورع، فكم من عابد جاهل وعالم مغرور إذا رأى فاسقًا جلس إلى جانبه أزعجه ذلك.

وتنزه منه لكبر باطن في نفسه وهو ظان أنه غاضب لله، وذلك لأن الكبر على المطبع ظاهر كونه شرًا والحذر منه ممكن، والكبر على الفاسق والمبتدع يشبه الغضب لله وهو خير، فإن الغضبان -أيضًا- يتكبر على من غضب عليه والمتكبر يغضب، وأحدهما يثمر الآخر ويوجبه وهما ممتزجان ملتبسان لا يميز بينهما إلا الموفقون.

والذي يخلصك من هنا أن يكون الحاضر على قلبك عند مشاهدة المبتدع أو الفاسق أو عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر ثلاثة أمور:

أحدهما: التفاتك إلى ما سبق من ذنوبك وخطاياك، ليصغر عند ذلك قدرك في عينك.

والثاني: أن تكون ملاحظتك لما أنت متميز به من العلم واعتقاد الحق والعمل الصالح

<<  <   >  >>