وفي رواية أن عمر جعل بينه وبين غلامه مناولة وكان "عمر" يركب الناقة ويأخذ الغلام بزمامها ويسير مقدار فرسخ. ثم ينزل ويركب الغلام ويأخذ "عمر" بزمام الناقة ويسير مقدار فرسخ. فلما قدم الشامكان نوبة ركوب الغلام فركب الغلام وأخذ "عمر" زمام الناقة فاستقبله الماء في الطريق فجعل "عمر" يخوض في الماء وهو أخذ بزمام الناقة. فخرج أبو عبيدة بن الجراح. وكان أميرًا على الشام. فقال يا أمير المؤمنين إن علماء الشام يخرجون إليك فلا يحسن أن يروك على هذه الحالة. فقال إنما أعزنا الله بالإسلام ولا أبالي بمقالة الناس.
ولما بعث عمر -رضي الله عنه- أبا هريرة أميرًا على البحرين فدخل البحرين وهو راكب على حماره وجعل يقول" طرقوا للأمير.
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقهم التواضع مع أن الله أعز بهم الإسلام وكانوا أعزة عند الله وعند الملائكة وعند الخلق.
وأما رسول الله فتواضعه لا يحصى، وعدم افتخاره لا يستقصى، وكذلك الأنبياء والمرسلون والأصفياء والصالحون.
وروى الإمام أبو بكر بن أبي الدنيا -بسنده- عن محمد بن أبي عثمان قال: رأى فضيل بن عياض رجًلا يفقع أصابعه في الصلاة فزجره وانتهره. فقال له الرجل: يا هذا ينبغي لمن قام لله-عز وجل- يأمر أن يكون ذليًلا. فبكى الفضيل وقال: صدقت.
وأنشدوا:
ومن يتواضع يسمو حتى لو أنه ... لو أراد محلها في السما أحله
فبالله لا تزدد إلا تواضعًا ... فلو كان كبر في شريف أذلة
قال غيره قريبًا منه:
ومن يتواضع لو أراد يفعله ... محًلا على هام السماء لحله
فبالله لا تزداد إلا تواضعًا ... فلو حل كبر بالعزيز أذله.
كذلك حال أهل التوفيق، ببذل النفوس وهوانها عليهم، نالوا ما نالوا من الخيرات، وبحب أهل الدنيا نفوسهم هانوا وطرأ عليهم الذل في الدنيا والآخرة.
ولبعضهم في وصف السادة الصوفية -قدس الله أرواحهم-:
لزموا التواضع فاستنار سناهم ... وتخلفوا بالفضل من خدامهم