البصري رحمة الله عليه: الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لمن كرم عليه، وقال أيضًا: المؤمن إن ظلم صبر وإن سفه عليه حلم وإن جبر عليه عدل يؤذى فيحتمل صبور على الأذى محتمل على القذى. وقال إبراهيم التيمي: ما من عبد وهب الله له صبرًا على الذي وصبرًا على البلاء وصبرًا على المصائب إلا وقد أوتي أفضل ما أوتيه أحد بعد الإيمان بالله عز وجل وهذا منتزع من قوله تعالى {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر .. } إلى قوله: {والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك هم المتقون} قال العلماء: البأساء الفقر ونحوه والضرائب المرض ونحوه وحين البأس حالة الجهاد ونحوه دون حلاوة شهد الولاء تجشم مرارة البلاء لأن البلاء بقدر الولاء وأنشدوا:
الصبر مثل اسمه من مذاقته ... لكن عواقبه أحلا من العسل
منكم رفع الصبر مرتبته من أعتلقه بيديه. وأعلا قيمه من جعله نصب عينين، واستنطقوا الأفواه بالثناء عليه واستطلقوا الأيدي المقبوضة بالإحسان إليه، كان في جيب بعض السلف ورقة يفتحها كل ساعة فينظر فيها وفيها مكتوب:" واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" من فعل مايحب لقي مايكره ومن صبر على ما يكره نال ما يحب كما قال بعض الحكماء لا ينال العاقل القليل ما يحب إلا بالصبر على الكثير مما يكره، فالصبر سلاح يحمي من المعاطب، وينجي من قبضة التلف بعد انقضاء القواصب، ويفضي بصاحبه إلى ارتفاع عوارق المراتب.
وأنشد بعضهم:
صبرت على بعض الأذى خوف كله ... ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت
وجرعتها المكروه حتى تدربت ... ولو جملة حملتها لاشمأزت
فيا رب عز سائفق للنفس ذلة ... ويارب نفس بالتذلل عزت
وقال غيره:
تعودت مس الضر حتى الفته ... واسلمني (حسن العز) إلى الصبر
وصيرني بأسي من الناس راجيًا ... لسرعة صنع الله من حيث لا أدري
ووسع صدري للأذى كثرة الأذى .. وقد كنت أحيانًا يضيق به صدري
إذا أنا لم اقبل من الدهر كلما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر