إذ كان ذلك ذَبًّا عن دين الله وَسُنَّةِ رسوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ قِيلَ لِلْبُخَارِيِّ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ التَّارِيخَ يَقُولُونَ: فِيهِ اغْتِيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ:«إِنَّمَا رُوِّينَا ذَلِكَ رِوَايَةً وَلَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ».
وقد ابتدأ الكلام عن الرُّوَاة توثيقاً وتوهيناً منذ عصر صغار الصحابة كابن عباس (- ٦٨ هـ) وعُبادة بن الصامت (- ٣٤ هـ) وأنس بن مالك (- ٩٣ هـ) ثم من التَّابِعِينَ: سعيد بن المسيّب (- ٩٣ هـ) والشعبي (- ١٠٤ هـ) وابن سيرين (- ١١٠ هـ) والأعمش (- ١٤٨ هـ) ثم تتالى الأمر، فنظر في الرجال شُعْبَةُ (- ١٦٠ هـ) وكان مُتَثَبِّتًا لا يروي إلا عن ثقة، والإمام مالك (-١٧٩ هـ). ومن أشهر علماء الجرح والتعديل في هذا القرن الثاني مَعْمَرُ (- ١٥٤ هـ) وهشام الدستوائي (- ١٥٤ هـ) والأوزاعي (- ١٥٧ هـ) والثوري (- ١٦١ هـ) وحماد بن سلمة (- ١٦٧ هـ) والليث بن سعد (- ١٧٥ هـ) ونشأ بعد هؤلاء طبقة أخرى كعبد الله بن المبارك (- ١٨١ هـ) والفَزَاري (- ١٨٥ هـ) وابن عُيينة (- ١٩٨ هـ) وَوَكِيعٌ بْنُ الجَرَّاحِ (- ١٩٧ هـ) ومن أشهر علماء هذه الطبقة يحيى بن سعيد القطان (- ١٩٨ هـ) وعبد الرحمن بن مهدي (- ١٩٨ هـ) وكانا حُجَّتَيْنِ مَوْثُوقَيْنِ لدى الجمهور فمن وَثَّقَاهُ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ، ومن جَرَّحَاهُ رُدَّتْ، وإن اختلف فيه رجع الناس إلى ما تَرَجَّحَ عندهم (١).
ثم تلاهم طبقة أخرى من أئمة هذا الشأن منهم يزيد بن هارون (- ٢٠٦ هـ) وأبو داود الطيالسي (- ٢٠٤ هـ) وعبد الرزاق بن هَمَّاٍم (٢١١ هـ) وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ الضَحَّاكُ بْنُ مَخْلَدْ (- ٢١٢ هـ).
ثم ابتدأ تصنيف الكُتُبِ في الجرح والتعديل، ومن أوائل الذين ألَّفُوا وتكلموا في هذه الطبقة يحيى بن معين (- ٢٣٣ هـ) وأحمد بن حنبل (- ٢٤١ هـ) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وصاحب " الطبقات "(- ٢٣٠ هـ) وعلي بن المديني (- ٢٣٤ هـ) ثم تلاهم بعد ذلك البخاري، ومسلم، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرَّازِيَانِ، وأبو داود