للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جِدًّا، كقتادة والأعمش والسفيانين وهُشيم بن بشير وغيرهم، وهذا لأن التدليس ليس كذباً وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل» ثم قال: «وأما القسم الثاني: فأمره أخف ... » إلخ.

ومنه يتبين أن السفيانان وغيرهما مِمَّنْ لم يكن تدليسهم جارحاً وأن روايتهم في كتب الصحاح مقبولة ثابتة، فلا معنى للتهويش باصطلاح خاص في دعوى خطيرة كوضع (العلماء الأتقياء للحديث) على أن ما ذكره إنما هو علماء بلد واحد من بلاد الإسلام وهي الكوفة، فكيف ينطبق على سائر البلاد الإسلامية الأخرى، وقد قال الحاكم في كتابه " معرفة علوم الحديث ": «أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي، لَيْسَ التَّدْلِيسُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَالْجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ، وَبِلاَدُ فَارِسَ، وَخَوْزِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهَرِ لاَ يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسَ، وَأَكْثَرُ المُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ».

على أن علماء الحديث اعتذروا للسفيانين بأعذار مقبولة. فأما سفيان بن عُيينة فقد قالوا: كان يدلس على الثقات فيقبل تدليسه لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، وهذا ما رجحه ابن حبان، وقال: هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة (١).

وأما سفيان الثوري، فقالوا: كان تدليسه من قبيل إبدال الاسم بالكنى أو العكس، وهذا تزيين وليس بتدليس، حكاه البيهقي في " المدخل " عن أبي عامر.

١١ - الاِعْتِرَافُ بِصِحَّةِ الحَدِيثِ (شَكْلِيٌّ):

ثم قال جولدتسيهر: «وقد شعر المُسْلِمُونَ في القرن الثاني بأن الاعتراف بصحة الأحاديث يجب أن يرجع إلى (الشكلي) فقط، وأنه يوجد بين الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة، وساعدهم على هذا ما ورد من الحديث " سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ عَنِّي، فَمَنْ حَدَّثَكُمْ بِحَدِيثٍ فَطَبِّقُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ فَمَا


(١) " شرح ألفية العراقي ": ١/ ٨٤ وتمامه: «فإنه كان لا يدلس إلا عن ثقة ... »